خلق الرِّفْقِ وأهميتُه في حياة المسلم - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خلق الرِّفْقِ وأهميتُه في حياة المسلم

 إعداد فضيلة الأستاذ:  محمد زراك

الجمعة 17 ذو القعدة 1443 هـ - 17 يونيو 2022 م

الحمد لله الذي جعل الرفق من الأخلاق الكريمة، ورتب على التخلق به السلامة والأجور العظيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة خالصة ودائمة، سبحانه وتعالى جعل حياة النبي ﷺ نورا للعباد وهداية ورحمة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله زكى الله خلقه وأعلى مقامه، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الأخلاق الفاضلة والقلوب السليمة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾  

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ إن دين الإسلام يريد للمسلمين أن يتخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسنِها، ويَكُفُّوا عن مساوئها وأرَاذِلِها، ومِن تلكم الأخلاقِ الكريمة؛ خُلقُ الرِّفق.

والرفق معناه؛ التعاملُ بالعطف والرحمة والشفقة، والبعدُ عن القسوة والشدة والغلظة، في أقوالنا وأفعالنا، والنبي ﷺ يبين أهمية الرفق في تصرفاتنا فقال « مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ»  والمعنى أن الذي يتعامل بالعنف والشدة، والغلظة والقسوة، قد خلت تصرفاته من الخير.

فما أحوجنا إلى هذا الخير في تعاملنا مع من حولنا، بدءا بأقرب الناس إلينا من الوالدين والزوجة والأولاد، والإخوة والأقارب والجيران، ومرورا بالأباعد من الأصحاب والفقراء والمساكين وسائر الناس، وانتهاء حتى بالبهائم والطيور وغيرها.

ففي التعامل مع الوالدين نرى رجلا يأتي إلى رسول الله ﷺ فقال: إني جئت أبايعك على الهجرة، وتركتُ أَبَوَيَّ يبكيان قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا»  فالرفق بالوالدين؛ من الإحسان إليها والطاعة والبر بهما، والرحمة والعطف والشفقة عليهما، يرتقي إلى درجة الهجرة إلى رسول الله ﷺ.

وفي حياتنا الزوجية، تقع أحيانا مشاكلُ أُسَرِية، لا حَلَّ لها سوى الرفق، ولو أردتَّ حلَّها بالعنف فلن تزيدَ المشكلة إلا تعقيدا، فها هي احدى زوجاتِ رسول الله ﷺ في لحظة ضُعْف وغضب، أخذت قَصْعةَ الطعام وضربت بها الأرض أمام الضيوف،  لكنَّ حرصَ النبي ﷺ على حلِّ مشاكله بالرفق، جعله يرحم زوجته ولم يزد عن أمرِها "بأن تَرُدَّ قصعة جديدة إلى صاحبتها"

وبهذا الموقف العظيم يعلم النبي الدنيا كلَّها، أن خير الأزواج عند الله خيرُهم معاملة لزوجته، وكان ﷺ يقول «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» 

وفي التعامل مع إخواننا وأخواتنا، نراعي الرفقَ بهم ورحمتَهم، فيتفَقَّدُ المسلم أحوال أخيه وأخته من أبيه وأمه، فإن كان أحدهما في حاجة، مدَّ إليه يد المساعدة، لَمَّا استُشهد والدُ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنه  في غزوة أحد، كان له تسعُ أخوات، فتزوج جابر امرأة ثيِّبا أكبرَ منه، لكي تهتم بأخواته وتربِّيَهن، وعندما قال له الرسول ﷺ «أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ» قال: إن لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن ، ففرح النبي ﷺ بذلك، بل وأكرمه ومد إليه يد المساعدة.

فهذا الصحابي الجليل رفقا منه بأخواته قدم حاجتهن على حاجته، رجاءَ جزيلِ الحسنات ودخول الجنات؛ يقول رسول اللهﷺ « يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاَثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ» 

وفي تعاملنا مع الفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجين، نجعلُ الرفق أساسَ هذا التعامل، ونعطفُ علهيم ونرحمُهم، ولا نقهرهم ولا نَنْهرهم، حتى وإن صدر منهم خطأ، يقول أنس بن مالك  كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة، أثرت على عاتق النبي ﷺ ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك «فالتفت إليه النبي ﷺ فضحك ثم أمر له بعطاء»  كان بإمكانه ﷺ أن ينهرَه ويزجرَه، ويمنعَ عنه العطاء، لكن أخلاقه العظيمة ترقى به إلى مراتب الكمال. 

وفي تعاملنا مع الحيوان والطيور وغيرها، نستحضر قصة النبيﷺ لما دخل بستانا لرجل من الأنصار، فرأى جملا تظهر عليه علامة المشقة والتعب، فمسح النبي ﷺ عرقه ثم قال « لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟» فقال رجل: إنه لي، فقال «أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ»  أَيْ: تُتْعِبُهُ"...الله اكبر! مهما دعت الجمعيات والمنظمات إلى الرفق بالحيوان، فلن نجد مثل تعاليم الإسلام، فها هو رسول الله ﷺ   سمع شكوى جمل، ومسح عنه العَرقَ، وخاصم صاحبَه، وأمره بحقِّه في الأكلِ وفي الرَّاحةِ.

هذا حيوان تكفَّل له الإسلام بحقوقه، بالله عليكم! ماذا سيقول رسول اللهﷺ لو رأى في زماننا الظلم الذي يتعرض له الخدم والعمال، في بعض المعامل والشركات، من التعب والجوع والمشقة، والحرمان من الأجرة وأيام الراحة، والتي هي حتى من أبسط حقوق الحيوان..والله المستعان.. فاللهَ اللهَ فيمَن تحت أيديكم يا عباد الله، اللهَ اللهَ في خَدَمكم.... اللهَ اللهَ في عُمّالكم..الله الله في إخوانكم...  وإلا فالويلُ للظالمين من عذاب الله، يقول رسول الله ﷺ «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ»  هكذا -عباد الله- تستنير قلوب المؤمنين، بأنوار الوحي والحكمة، من مشكاةِ النبوةِ، فيفيضون رفقا ورحمة، وعطفا ورقة، على كل من حولهم، فاللهم ارزقنا الرفق في أقوالنا وأفعالنا يارب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.....أما بعد فيا عباد الله؛ 

هكذا نكون قد تحدثنا عن بعض مجالات الرفق في حياتنا، ومن تلك المجالات؛ الرفقُ في التعامل مع التلاميذ أو مع المتعلمين.

في الأزمنة الماضية كان بعض المربين والمعلمين، يرون أن استعمال القسوة والعنف في التعليم أمرٌ ضروري للحفظ والتعلُّم، وربما يستشهدون بقصة  بداية نزول القران على رسول الله ﷺ لما جاءه جبريل -عليه السلام- فقال له "اقرأ" فقال "ما أنا بقارئ" فأخذه وغَطَّه بشدة حتى بلغ منه الجَهْدَ ثم أرسله، ثلاث مرات ثم قال له ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ..﴾ 

فالاستدلال بهذه القصة من أجل تبرير الضرب والعنف في التعليم،  استدلالٌ في غير محله، تَرُدُّه أفعالُ رسول الله ﷺ، ومواقفُه في تعليم أصحابه، مواقفٌ أنشأت جيلا من العلماء الكبار، في الصحابة الكرام، حافظين لكتاب الله، وحافظين لحديث رسول اللهﷺ، وحاملين لراية العلم ولراية الإسلام، ولم يثبت أن رسول الله ﷺ ضرب أحدهم ليعلِّمَه، أو ليؤدِّبَه.

يقول معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه : بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله...-يتكلم ويتحدث داخل الصلاة- فجعل الناس يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكي يسكت، قال: فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ». 

وهذا الحديث ينبغي أن يكون درسا لكل المربين والمعلمين، بدءا من الوالدين في البيت، وانتهاءً بجميع مستويات التربية والتعليم، أن يجعلوا النبي ﷺ قدوتَهم، فيُوجِّهوا ويَنصحوا ويُعلِّموا، ويُرَبُّوا بلطف ورفق ولين، ويَتجنبوا مع الأولاد أي نوع من أنواع القسوة والعنف القولي أو النفسي أو الجسدي، يقول رسول الله ﷺ  «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ». 

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات .﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا