شكر الله تعالى وأثره في حفظ النعم وزيادتها - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

شكر الله تعالى وأثره في حفظ النعم وزيادتها


إعداد فضيلة الأستاذ: محمد زراك

الحمد لله، الحمد لله الذي وعد الشاكرين بالمزيد، وتوعد الجاحدين لنعمه بالعذاب الشديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الحميد، شهادة خالصة نكون بها من أهل التوحيد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الرشيد، كان في كل أحواله حامدا وشاكرا لله الحميد المجيد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

أما بعد فيا معشر المسلمين والمسلمات؛ خلقنا الله تعالى في أحسن تقويم، وأنعم علينا بنعم ظاهرة وباطنة، ولو جلس الواحد منا عمره كله يَعُدُّ هذه النعم ما استطاع أن يحيط بها، فكل حركة نتحركها، وكل لقمة نأكلها، وكل شربة نشربها، وكل سجدة نسجدها، إلا ولله علينا فيها نعم كثيرة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } 

إننا نعيش في زمان قل فيه الشكر وكثرت الشكوى، ترى الإنسان في خير وعافية، وأمن وطمأنينة، وإيمان وهداية، لكن لن تسمع منه كلمة شكر لله تعالى، فأصبحنا في أمس الحاجة إلى التذكير بوجوب شكر نعم الله، والوقوفِ على قصص الشاكرين وعاقبة الكافرين، وبيان فضل شكر الله رب العلمين.

أيها المؤمنون؛ قال الله تعالى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي: "إن كنتم تعبدون الله تعالى فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله، لم يعبده وحده، كما أن منْ شَكَره فقد عبده، وأتى بما أمر به" 

وهنا نتسائل: كيف نكون من عباد الله الشاكرين؟.

إن شكر الله تعالى يتحقق بشكر القلب وشكر اللسان وشكر الجوارح، فإذا أتينا بهذه الأركان فقد أدينا واجب الشكر. 

الركن الأول شكر القلب: ومعناه أن نوقن بأن كل ما عندنا من النعم، من مال وصحة ونجاح ومسكن ومركب وزواج وأولاد ومتاع، إنما هو من فضل الله علينا، ولم نصل إليه بحولنا وقوتنا، والله تعالى يقول { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }

وشكر القلب يقتضي أن نتجنب الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه قارون، الذي أعطاه الله من الأموال والكنوز الشيء الكثير، وعندما أمره الصالحون من قومه أن يتصدق شكرا لله المنعم عليه، تكبر وطغى وقال {... إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} فأهلكه الله وخسف به وبداره الأرض، فإذا أيقنا بقلوبنا بأن كل النعم التي بين أيدينا من الله، دفعنا ذلك إلى شكره ومحبته والحرص على استعمال هذه النعم في طاعته، والتقرب بها  إليه سبحانه. 

الركن الثاني شكر اللسان: ومعناه أن يكون لساننا رطبا بحمد الله وشكره على نعمه، فهذا نوح عليه السلام كان يشكر الله ويحمده إذا أكل وإذا شرب وإذا اكتسى، وإذا قضى حاجته  ولذلك وصفه الله بقوله {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }

ووصف الله إبراهيم عليه السلام بقوله {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ } ومن شكره أنه يحمد الله ويشكره ان وهب له نعمة الأولاد، وكونهم في حال الكبر واليأس نعمة أخرى، وكونهم أنبياء صالحين أجل وأفضل"  

وأما رسول الله محمد  فقد كان في كل أحواله شاكرا وحامدا لله، عند طعامه وشرابه ونومه وسفره وحضره وصحته ومرضه وشدته ورخائه، ومن دعائه في هذا الباب «رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا»  بصيغة المبالغة أي كثير الشكر، وغيرها من أدعيتة التي نعبر بها بألستنتا عن شكر لله تعالى.

الركن الثالث؛ شكر الجوارح: فقد روي أن أبا حازم جاءه رجل فقال له: ما شكر العينين والأذنين ؟ قال: إن علمت بهما خيرًا أعلنته، وإن علمت بهما شرًّا سترته.

 قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله- عزَّ وجلَّ- هو فيهما...قال فما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ ...ثم قال له: فأما من شكر الله بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله كمثل رجل له كساء او ثوب، فأخذ بطرفه، ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر"  يقصد أن من يشكر الله بلسانه ولا يشكره بجوارحه فلا ينفعه شكره بشيء.

وهكذا فإن كل خير تفعله بجوارحك يا عبد الله فهو شكر لله تعالى، فالصلاة شكر والصيام شكر والصدقة شكر وتعليم العلم شكر ومساعدة الضعيف وقيام اليل شكر، وكان رسول الله  يطيل الصلاة في قيامه لليل طولا لا يقدر عليه أحد، ويقصد به شكر الله على ما أكرمه به من النعم، فاللهم أوزعنا شكر نعمتك، واجعل ما أنعمت به علينا عونا لنا على طاعتك، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين اجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

أما بعد فيا عباد الله؛ إن نعم الله تعالى إذا قوبلت بالشكر نمت وزادت، وإذا قوبلت بالجحود فنِيَت وزالت يقول الله عز وجل{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } 

وقد قص علينا رسول الله  قصة ثلاثة رجال ، اُبتُلوا في حياتهم بالشدة والمرض والفقر، فأنعم الله عليهم وأبدل شدتهم رخاء ومرضهم صحة وفقرهم غنى، ثم أراد سبحانه أن يختبرهم ويمتحنهم هل يشكرون نعم الله أم يكفرون؟ فأرسل إلى كل واحد منهم ملكا في صورة إنسان مريض فقير، يطلب منهم صدقة، فأما اثنان منهما فقد جحدا نعم الله ولم يعطيا للسائل الفقير شيئا، وأما ثالثها فقد شكر الله على نعمه حيث قال للسائل: مالي كله لك خذ ما شيت ودع ماشئت، فعاقب الله الاثنين الأولين بزوال النعم ورجوع المرض والفقر إليهما مرة ثانية، وأكرم سبحانه الرجل الثالث ببقاء النعم وزيادتها وبركتها.

هذا جزاء الشاكرين في الدنيا وأما في الآخرة "فإن الله جل ثناؤه لا يعذِّب الشاكر المؤمن"  قال سبحانه ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ .

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللّهم إنّا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، ونسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.

اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين. 

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا سي محمد زراك سعدنا برؤية خطبك فقد طال غيابك

    ردحذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا