خطبة الجمعة: مامعنى الإحتفال بالمولد النبوي الشريف؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة: مامعنى الإحتفال بالمولد النبوي الشريف؟


تاريخ الإلقاء 9-11 - 1440هـ 2018
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
مسجد الإمام البخاري -أكادير المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.

الحمد لله المحمود بتمام الحمد والتبجيل، وأشهد أن لا إله إلا الله المستحق لكمال التعظيم والتهليل، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المتصف بتمام الأخلاق وصدق التحليل، كانت ذكرى ولادته بالمدائح جديرةً بغاية التجميل وحسن التسجيل، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه سادات التفسير والتأويل، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم لا يحتمل التأخير ولا التأجيل؛ {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} كما جاء في محكم التنزيل... 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته...
ها نحن في شهر ربيع الأول، وهو الشهر الثالث من الشهور الهجرية، قد تكاثرت فيه الذكريات المتعلقة بالحبيب المصطفىﷺ، حتى سمي بشهر سيرة المصطفىﷺ، ليس لأننا نتذكر فيه ولادته ونقرأ فيه سيرته، فهذا واجب المسلم طيلة السنة كلها؛ بل لأنه شهر يحمل في طياته أحداثا كبرى من السيرة العطرة، لا نعلم منها إلا أسماءها، أما تفاصيلها، والاستفادة منها، والاقتداء بها فقليل من يعلمها؛ بله من يستعملها؛ ففي شهر ربيع الأول ولد الرسولﷺ، وفيه بدأ الوحي بالرؤيا المنامية، وفيه هاجرﷺ من مكة إلى المدينة، وفيه توفيﷺ فالتحق بالرفيق الأعلى؛ إنها منعطفات كبرى في حياتهﷺ: الولادة، والبعثة، والهجرة، والوفاة. 

وعلاوة على ذلك فقد وقعت فيه أيضا أحداث أخرى، وإن كانت كل أحداث هذه السيرة كبرى، فهي بالنسبة للأربعة السابقة صغرى؛ ففيه نزلت الآية التي حرمت الخمور، وفيه وقعت غزوة بني النضير، وغزوة دومة الجندل، وغزوة الغابة، وسرية خالد بن الوليد إلى قبيلة بني الحارث المسيحية بنجران فأسلمت عن بكرة أبيها، وفيه توفي إبراهيم ابن النبيﷺ. 

فكان حقا على كل مؤمن ولزاما على كل مسلم أن يحتفل في هذا الشهر بسيرة المصطفىﷺ؛ ولكن دعونا نعرف معنى الاحتفال أولا؛ فالاحتفال مبني على ثلاثة أركان:
1) تذكر الشيء في الذهن لمناسبة واردة ملائمة.
2) ذكره باللسان والإشادة به ودعوة الناس للاستفادة منه.
3) الاقتداء به وتتبع خطاه والسير على منواله ودربه.
والأصل في الاحتفال بالمولد النبوي أمر مشروع؛ لأن النبيﷺ كان يحتفل به كل أسبوع، ويعبر عن هذا الاحتفال بالصيام؛ فقد روى الإمام مسلم: أنهﷺ سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «فيه ولدت وفيه أنزل علي»، وإذا كنا نتذكر ميلادهﷺ مرة في السنة، فإنهﷺ يتذكره ويعظمه كل أسبوع، فهذا الحديث يدل على أنهﷺ قد تذكر يوم ولادته وذكره وأشاد به، لنسير نحن على منواله ودربه، وهذا أمر متفق عليه من جميع المسلمين، ولم يشذ عن ذلك إلا متشدد متطرف مرفوض.

نعم؛ نحتفل به أسبوعيا بالصيام؛ ولكن ما دام أصل الاحتفال أسبوعيا موجودا يجوز لنا أن نحتفل به شهريا وسنويا وفي نهاية قرن أيضا، وما دام أصل الاحتفال بالمولد النبوي في إطار الصيام مشروعا؛ فما الذي يمنعنا أن نحتفل به في إطار عبادات أخرى علاوة على صيام يوم الاثنين؛ وعلى سبيل المثال:
•  في بلانا الحبيب المغرب؛ فإن وزارة الأوقاف توزع على المساجد سرد كتاب "الشفاء بتعريف حقوق المصطفىﷺ" للعالم المغربي القاضي عياض، وهو كتاب قيم في هذا الباب.

•  العمرة، وقد اشتهر اليوم بين الناس عمرة المولد النبوي؛ وقد قال الرسولﷺ: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد".  
•  الصدقة؛ وقد جرت العادة عندنا باجتماع الناس على الصدقات في المساجد؛ وقد قال الرسولﷺ فيما روى الترمذي وحسنه: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ".

•  قراءة القرآن؛ وقد جرى العرف باستدعاء حملة القرآن الكريم لختمه في المنزل حتى يستفيد منه جدرانه وحجراته؛ وقد قال الرسولﷺ في الحديث الصحيح: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".
•  سرد سيرتهﷺ والوقوف عند فقهها، وهي بمنزلة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم؛ بل هي بمنزلة المذكرة التطبيقية للقرآن، أو قل إن شئت: هي القرآن العملي، وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: «كان خلقه القرآن». 

•  في كثير من البلدان الإسلامية يتم اتخاذ يوم الثاني عشر من ربيع الأول يوم عطلة تعبيرا عن الفرح بولادتهﷺ وهذا نوع من الاحتفاء والاحتفال.
•  ما المانع شرعا من الاحتفال بالمولد النبوي عن طريق التركيز في الدروس والوعظ على السيرة النبوية، والمسابقات فيها وفي حفظ الأحاديث النبوية، وفي حفظ القرآن الكريم وتجويده، والتصدق على الفقراء؛ فكل هذا من السنة الحسنة التي قال فيها النبيﷺ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسَنَة، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة...».

وفي نفس الوقت لا ينبغي أن ننساق وراء ما لا يجوز من الاختلاط والرقص والأغاني المتفسخة، والأمداح بأحاديث وأحداث لا أصل لها؛ وغير ذلك من السنة السيئة التي قال فيها النبيﷺ: «من سَنَّ سُنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة»؛ والله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
فمن زاد على هذه الوسطية فقد ابتدع، ومن أنكرها فقد تنطع، وقد ضل المبتدعون وهلك المتنطعون كما جاء حديث المصطفىﷺ.

وأقول لمن يستنكر هذا النوع من الاحتفال: ألسنا نحتفل بمرور مائة سنة لوفاة عالم مثلا فنقيم الندوات والمحاضرات؟ أليست كل الدول تحتفل بأيامها الوطنية؟ فعندنا نحن في المغرب ذكرى الاستقلال وتحرير الصحراء مثلا وغيرها؛ وعند دول الشرق والخليج أيضا مهد السلفية المعاصرة الاحتفال بذكرياتها الوطنية أمر قد جرى به العمل هنالك، ولم يستطع أحد -مهما تشدد وتطرف وتسلف- أن ينبس ببنت شفة في بدعيتها؛ بل هناك فتاوى رسمية تدعو للاحتفال بها؛ بل هناك احتفال بأسبوع محمد عبد الوهاب؟ 
وهل الاحتفال هناك بالذكريات الوطنية وذكريات الأشخاص دعوة إلى الله، والاحتفال بالذكريات النبوية بدعة ضد شرع الله؟ وهل محمد عبد الوهاب أفضل عندهم من محمد بن عبد اللهﷺ؟ ما لكم كيف تحكمون؟ فلم هذا الكيل بمكيالين في شرع الله تعالى؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية 
الحمد لله رب العالمين….
أما بعد فيا أحبة المصطفىﷺ يجب أن نعلم أن ذكرى المولد النبوي هي وسيلة للدعوة إلى الله، وفرصة مثلى ينبغي ألا تفوت دون تذكير الناس بأخلاق النبيﷺ وآدابه، بحياته وسيرته، بمعاملاته وعباداته، حتى نُحيي في معاملاتنا سنته، وفي قلوبنا محبته؛ وخصوصا أننا قد جهلنا من هذه السيرة العطرة الكثير، قد جهلنا من هذا القرآن العملي الكثير، ألا كفى إنكارا لفوائد هذه الذكرى!

 ألا كفى تنكرا للاستفادة منها! فهي فرصة لملء القلوب والنفوس، لا لملء المعدات والبطون، وهي كذلك فرصة لربط الناس بالسيرة النبوية الصحيحة، لا بالأوهام والأساطير، فحياة المصطفىﷺ ليست في حاجة للرقص والموسيقى والغناء، ليست في حاجة للمدح بالأكاذيب والأساطير، ليست في حاجة للإطراء بما لا أصل له من الخرافات والأوهام، ليست في حاجة لألوان الكذب حتى نقربها من قلوب العوام، فأمامنا شمائله وأخلاقهﷺ قد امتلأ بها القرآن الكريم، ونطقت بها كتب الحديث، وأبرزتها بشكل عملي كتب السيرة والشمائل.

يا أحبة المصطفىﷺ زَيِّنوا سيرتكم بأخلاق المصطفـىﷺ وزِنُوا ما تمدحون به المصطفىﷺ بميزان أهل الحديث، فإن كان صحيحا أو حسنا فلا حرج، وإن كان موضوعا وكذبا فألف حرج وحرج، والرسولﷺ يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». ومهما مدح المادحون فلن يصلوا مدح القرآن الكريم له إذ قال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا