خطبة الجمعة حول :قضية المرأة بين الإسلام والإستسلام - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة حول :قضية المرأة بين الإسلام والإستسلام

من إعداد فضيلة الفقيه : عبدالله بنطاهر

الحمد لله الذي جعل النساء شقائق الرجال، وأكرمهن أفضل الإكرام في الحال والمآل، فدعاهن إلى أحسن الأخلاق وأفضل الأعمال، وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، شرع للمرأة حقوقا تحميها من الآلام وسوء الأعمال، وواجبات تحقق لها الأماني والآمال، 

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الكريم المفضال، أول من حرر المرأة من وطأة العبودية والاستغلال، إلى التمتع بالحرية والاستقلال، وهو الذي قال: «إنما النساء شقائق الرجال»، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل والإجلال، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الجزاء على الأقوال والأفعال.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته
لقد كثر الحديث عن المرأة في هذه الأيام بسبب ما يسمى باليوم العالمي للمرأة (وهو اليوم الثامن من شهر مارس)؛ ويجب أن نعلم: 

أولا: أن هذه الأيام العالمية عادة دخيلة ليست من ديننا وشريعتنا وأصالتنا.
ثانيا: أن الإسلام لا يريد يوما فقط للمرأة، بل يدعو لحقوقها في السنة كلها.

ثالثا: أن في الإسلام ثلاثة مبادئ لها أصالتها وهي:
أ) الذكرى؛ والله تعالى يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}.
ب) اغتنام الفرص؛ والنبيﷺ قال: «اغتنم خمسا قبل خمس».
ج) طلب الحكمة؛ والنبيﷺ قال: «الكلمةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها».

وفي إطار هذه المبادئ ننتهز الفرصة للذكرى؛ وكل حسب نيته «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}.
أيها الاخوة المؤمنون؛ تعالوا بنا اليوم بهذه المناسبة نستعرض قضية المرأة بين الإسلام والاستسلام، بين دعوة الإسلام لتحريرها وتكريمها، ودعوة هؤلاء اليوم إلى التغرير بها واستغلال جسدها.      

ومن المعلوم أن الناس في قضية المرأة منقسمون قديما وحديثا بين نصير لها وعدو لها؛ فمنهم من يقول: "وراء كل عظيم امرأة"، ومنهم من يقول: "وراء كل مجنون امرأة"، ومنهم من يشيد بها ويتغنى لها ويحدد فضائلها ويركع لها ويسجد، ومنهم من ينظر إليها بمنظار قاتم أسود، حتى إنهم حملوها خطيئة آ دم حين أخرج من الجنة بإغوائها وإغرائها كما في العهد القديم (التوراة المحرفة) عند اليهود والنصارى اليوم؛ 

ولكن الإسلام عندما جاء ارتفع بقيمة المرأة وكرامتها من هذين الاتجاهين المتناقضين المتطرفين، فكان إكرامه لها وسطا بين الإفراط والتفريط:

فأكرمها وهي بنت فاعتبر إكرامها والإحسان إليها مفتاحَ الجنة، والسترَ من النار، يقول النبيﷺ: «من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهن ما صحبتاه كنت أنا وهوا في الجنة كهاتين»؛ وقرن بين أصبعيه. ويقولﷺ: «من أبتلى من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار».
ثم أكرمها وهي زوجة؛ فجعل مقياس الرجال، وميزان الأخلاق، بقدر إكرام الرجل زوجته، فقالﷺ: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». 

ثم أكرمها وهي أم؛ فجعلها في مرتبة لم يصل إليها أحد قط من الرجال، حين سأل رجل النبيﷺ من أحق الناس بحسن صحبتي يا رسول الله؟ فقالﷺ: «أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك»، وجاء في الأثر: «الجنة تحت أقدام الأمهات».

ثم اعتبرها عضوا من المجتمع، إنسانة مكلفة مثل الرجل، مخاطبة بأمر الله ونهيه، مثابة على الخير ومعاقبة على الشر، مثل الرجل سواء بسواء، لها حقوق وعليها واجبات، قال الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}. وأول أمر إلهي صدر للبشر، خوطب به الرجل والمرأة معا، قال الله تعالى لآدم وحواء: {وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}. 

فالمرأة في الإسلام ليست خصما للرجل ولا عدوته، بل هي مكملة لنقصه وهو مكمل لنقصانها، يقول الله تعالى: {لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} ويقول النبيﷺ: «إنما النساء شقائق الرجال»؛ فهي نصف المجتمع، فقد شاركت في جميع الميادين في الإسلام، وكانت بجانب الرجل في أمور الدين والدنيا؛ في المساجد والأسواق، وفي الجهاد وأماكن العمل، تستقبل ضيوف زوجها وترحب بهم، وتحاورهم، ولم ينكر عليها ذلك أحد، والمسجد الحرام وطوافه اليوم أكبر شاهد على ذلك، فقد كن على عهد الرسولﷺ ممرضات ومعلمات ومجاهدات، 

قالت الربيع بنت معوذ: «كنا نغزو مع النبيﷺ نسقي ونداوي الجرحى»؛ بل للمرأة الأسبقية في كثير من الميادين، ويكفيها شرفا أن أول من أسلم كان امرأة خديجة بنت خويلد وأول شهيد في الإسلام كان امرأة سمية أم عمار بن ياسر، وقالﷺ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». 

وكان نساء الصحابة يطالبن بحقهن في التعليم، فيستجيب الرسولﷺ لهن؛ فقد جاء في الصحيحين أن امرأة قالت للرسولﷺ: اجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله. فقال لها: «اجتمعن في يوم كذا وكذا، فعلمهنﷺ مما علمه الله»، وهذه عائشة رضي الله عنها كانت مرجع الصحابة في العلوم الشرعية، وكانت تناقشهم وترد على من خالفها، كما ثبت ذلك في عدة أحاديث مشهورة. 

وروى البخاري أن الصحابي الجليل سلمان الفارسي زار أبا الدرداء في منزله فلم يجده، ووجد زوجته فرحبت به وهي لابسة لباسا داخل بيتها لا جمال فيه ولا زينة، فأنكر عليها عدم تزيين نفسها لزوجها، فقالت له: لست في حاجة لهذا، فإن زوجي أبا الدرداء لا حاجة له في النساء؛ يصوم النهار ويقوم الليل، فلما جاء زوجها قال له: سلمان: إن لزوجك عليك حقا، فصادق النبيﷺ على ذلك فقال: «صدق سلمان، صدق سلمان، صدق سلمان»؛ 

وهذا يصور لنا كيف يتعامل الرجل مع المرأة، ينظر الرجل إليها النظرة البريئة الأولى، وينصحها ويوجهها، ولكن المشكل ليس في النصيحة وبذلها، والمشكل أن نكون في مستوى إيمان سلمان؛ فالبعض منا ينظر إلى المرأة من أم رأسها إلى أخمص قدميها، مقبلة مدبرة، من أول الطريق إلى نهاية الشارع، فيشتهي ويتمنى، ثم يقول إنما هي النظرة الأولى مثل نظرة سلمان!

أيها الاخوة المؤمنون هذا هو الإسلام وإكرامه للمرأة، فهو وسط بين الإفراط والتفريط، عوان بين الغلو والتقصير، قوام بين الإسراف والتقتير، فقد أجاز لها الخروج من البيت والمشاركة في المجتمع؛ ولكنه وضع لهذا الخروج شروطا تجعلها في مأمن من الاستسلام لقادات الفسق ودعاته، شروطا تحمي شرفها وقيمتها، حتى يحفظ نساء الأحرار، شرفهن من الاستسلام لشر الأشرار، حتى لا تكون فتنة لخائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ فمنها هذه الشروط السبعة الحامية الحافظة للمرأة: 

1) الجدية في اللقاء بلا مزاح مثير للمزاج؛ لقول الله تعالى: {وقلن قولا معروفا}.
2) الحجاب بستر الجسد كله ما عاد الوجه والكفين؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}.
3) غض البصر باستحياء من كلا الطرفين؛ لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}.

4) اجتناب الخلوة بالأجنبي في العمل والبيوت وسيارات الأجرة وغيرها، والرسولﷺ يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثها الشيطان».
5) الوقار في الحركات؛ لقوله عز وجل: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، والعقب الطويل المسمى بـ"الطالون" اليوم ما صنع إلا ليضرب النساء بأرجلهن حتى تظهر زينتهن. 

6) اجتناب وضع المكياج والروائح الطيبة التي تحرك الشهوة، وتوقع في الشبهة أثناء الخروج، والرسولﷺ يقول: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية». 

7) اجتناب مواطن الشك والتهم، من مخاطبة ومخالطة الرجال المعروفين بالفسق، والموسومين بمجاهرته، والرسولﷺ يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [بفتح الياء وضمها]، والله تعالى يقول: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}؛ ومن ظاهر الإثم الاسترسال في النظر، وطول الكلام والمكالمات عبر المواقع والاتصالات، وطول الاحتكاك والمجالسات، ومن باطن الإثم الاشتهاء بالنفس، والاستمتاع بالنظر الحرام والتطلع إليه.

تلكم هي الشروط السبعة في الإسلام لخروج المرأة للعمل، فكل مخالفة لأي شرط منها فهو استسلام للشهوات والنزوات ليس إلا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين...

الخطبة الثانية 
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ هذه هي المرأة كما أراد لها الإسلام؛ أما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم اليوم دعاة تحرير المرأة؛ إنما يريدون لها الاستسلام لنزواتهم وشهواتهم دون قيد أو شرط؛ فأفرطوا في شأنها، وتجاوزوا حدود الفطرة في المطلوب منها، وحدود الفضيلة في رغباتهم منها، وهم لا يريدون إلا استغلال جمالها، وانتهاك عرضها، 

وقد وصل بهم الاستهزاء بها، إلى أن يستغلوا جمالها وجسدها في الإشهار والترويج، فلا تكاد تجد إعلانا عن أي مادة من المواد إلا وتطالعك فيها صورة امرأة عارية أو شبه عارية، بل لا يكاد يكون إشهار إلا بها، فصوروها على أغلفة المجلات، وواجهات المحلات، وفي برامج الويلات والزلات، بكيفية يغرى الذئاب الجائعة من الرجال بالفتنة بها، والإيقاع بشرفها ونسف عرضها، فتغزو القلوب بجمالها وفتنتها، ويغزو الفساد عرضها وشرفها، 

وعندما تستسلم المرأة لهؤلاء فإن الرسولﷺ يقول فيها: «ما رأيت فتنة أضر على الرجال من النساء»؛ لقد ابتكروا لها مهنة جسدية ربما لا تخطر حتى ببال الشيطان، سموها عارضة أزياء ليهتكوا عرضها، يختارون لها الشابات في مقتبل العمر؛ أليست العجائز يرتدين الأزياء؟ لماذا لم تكن العجائز من بين عارضات الأزياء؟

أتدرون لما كل هذا؟ لأنه يستدر الأموال على حساب المرأة لأعدائها، فهم يريدونها بقرة حلوبا هكذا، ثم يتشدقون بعد ذلك بحقوقها، ألا ما أكذبهم! ألا ما أخدعهم!
ومنهم من يريد أن يلغي الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة، فيدَّعون أن المرأة إنسان كما أن الرجل إنسان، فلماذا يتفاوتان؟ 

ونسي هؤلاء أن فطرة الله فرقت بينهما حتى في التكوين الجسدي لحكمة بالغة، وهي أن لكل منهما رسالة في الحياة تليق به وبطبيعته ومؤهلاته، فالأمومة بكل خصائصها وفضائلها ومتاعبها، هي صميم رسالة المرأة، التي لا يمكن أن يقوم بها الرجل أبدا، وهذا هو الذي جعل قرارها في البيت أكثر من الرجل، ومما يبعث على الضحك -ومن البلاء ما يضحك- أن هؤلاء يسمون أنفسهم أنصار المرأة، وهم في الحقيقة أعداؤها، يدَّعون تحرير المرأة وإنما يدْعون للتغرير بها.

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…

هناك تعليق واحد:

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا