" المحافظة على البيئة في الإسلام " خطبة الجمعة :للفقيه عبد الله بنطاهر - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

" المحافظة على البيئة في الإسلام " خطبة الجمعة :للفقيه عبد الله بنطاهر


الحمد لله الذي سخر لنا ما في الأرض من الخيرات، وشرع لنا الانتفاع بما فيها من الحيوانات، وأنعم علينا فيها بنعم الأشجار والنباتات، وألهمها بالإنتاج والثمرات، ونهانا عن الإسراف في استغلال الثروات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأسماء والصفات، أمرنا على لسان رسوله بتنظيف الساحات، ونهانا عن تلوث الشوارع بالنفايات، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد السادات، بعثه الله رحمة لجميع المخلوقات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات، وعلى التابعين لهم بإحسان مادامت الأرض والسماوات.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
لقد كثر الحديث في هذه الأيام على البيئة ووجوب المحافظة عليها، وتحريم تلويثها.؛ بمناسبة المؤتمر العالمي للبيئة في مراكش.

والإسلام دين تعاون وتكافل وتراحم وتعاطف، ودين طهارة ونظافة وعفاف، ودين صالح لكل زمان ومكان، ودين عالمي للمحافظة على الأرض وطبيعتها وبيئتها.
فما المراد بالبيئة الطبيعية التي يجب المحافظة عليها؟

إن البيئة بتعريف مبسط تعني كل ما خلقه الله على هذه الأرض لصالح البشر؛ إنها هذا الهواء النقي الذي نستنشقه، إنها هذا الأكسجين الذي نتنفس به في كل لحظة من لحظات حياتنا؛ إنها هذا الماء العذب الصافي الذي نروي به ظمأنا، ونسقي به زرعنا وغرسنا وأنعامنا ودوابنا، هذا الماء الذي نجده ينساب في منابعه من العيون والآبار، وفي الأنهار والبحار؛ إنها هذه المناطق الخضراء من النباتات والأزهار والأغراس والحدائق والأشجار، إنها هذه المتنزهات التي نرتادها وننتعش بخضرتها؛ إنها هذا البحر الذي يمتد ويمدنا بخيرات عظيمة، فنأكل منه لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها؛ فالبيئة هي كل هذه الأشياء المفيدة للإنسان والضرورية لحياته، وقد ذكرها القرآن الكريم وذكرنا بها وحمل الإنسان المسؤولية عليها تنمية وتدبيرا، أو تمويتا وتدميرا. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}، وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ{.

أيها الإخوة المؤمنون! إن الخبراء اليوم يدقون ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى، ويوجهون النداءات لوقف ما يسمى باستنزاف البيئة، لقد أصبحت هذه المشكلة تهدد الحياة على كوكبنا الأرضي، كل ذلك بفعل الإنسان المتحضر، في العصر المتنور، لقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو بما كسبت أيدي الناس، فأصبح لزاما على الجميع، أن يتعاونوا لدرء هذا الفساد، الذي يضر بالجميع، وإن تسبب له القليل، قال سبحانه وتعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب{.

ترى يا عباد الله! هل من حل في الإسلام لهذا المشكل الخطير؟ وإذا أردنا أن نبحث عن حل لأي مشكل، لا بد من معرفة أسبابه، ويبحث الباحث فلا يجد سببا لمشكل البيئة إلا الإسراف، لقد أسرفوا في المواد الكيماوية فلوثوا الهواء والماء، وأسرفوا في استعمال الماء فقل، وأسرفوا في الصيد البحري، فانقرضت خيرات البحار، وأسرفوا في قطع الأشجار، فانتشر التصحر؛ إذن السبب الرئيسي لمشكل البيئة هو الإسراف، بل إن الإسراف في مفهومه اللغوي، ينطبق تماما على التعريف الاصطلاحي للتلوث، فعلماء البيئة، يعرفون التلوث بأنه: وجود مادة، أو طاقة، في غير مكانِها، أو في غير زمانِها، أو بغير كميتها المناسبة، والإسراف: هو مجاوزة الحد، أو وضع الشيء في غير محله، فكلا التعريفين واحد، إذن التلوث هو الإسراف.
أيها الإخوة في الله! إن الحل في الإسلام لمشكل البيئة يتمثل فيما يلي:

أولا: في تحريم الإسراف بكل أنواعه وأشكاله يقول الله سبحانه وتعالى: {ثم صدقناهم الوعد، فأنجيناهم ومن نشاء، وأهلكنا المسرفين}، ويقول سبحانه: {وإذا أردنا أن نهلك قرية، أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميرا} ويقول تعالى: {ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}, ويقول تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا، واشربوا، ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين}، وروى ابن ماجه، أن النبي مر على سعد بن وقاص، وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف»؟ فقال: أفي الوضوء إسراف يا رسول الله؟ قال: «نعم ولو كنت على نَهر جار».

ثانيا: لقد عالج الإسلام مشكل التلوث البيئي بالنظافة، فقال: «إن الله نظيف يحب النظافة»؛ ففرض غسل الأبدان والأثواب، ومنع تلوث الشوارع بالأزبال والنفايات، لأن تكديس النفايات من أسباب الوفيات؛ بل جعل الإسلام تنظيف الشوارع من الإيمان، قال رسول الله: «إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان» وقال فيما روى الترمذي: «نظفوا ساحاتكم ولا تتشبهوا باليهود»، وفي رواية الطبراني: «طيبوا ساحاتكم، فإن أنتن الساحات ساحات اليهود». ومع الأسف الشديد، فشوارعنا؛ بل ومدننا لم تكن في مستوى ما تدعو إليه شريعتنا، فأغلبية الأسر يفرغون الأزبال في الشوارع، وعلى قارعة الطريق، رغم وجود الحاويات، فتكون هذه الأزبال مصدرا للروائح الكريهة، ومزرعة خصبة لتوالد شتى أنواع الجراثيم، التي توزع العديد من الأمراض والأوبئة، وتلوث البيئة.

ثالثا: لقد عالج الإسلام مشكل التلوث البيئي، بالحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية؛ بل كان الإسلام سباقا في هذا المجال، قد سبق غيره من المنظمات الخضراء اليوم، فكان الرسولُ أولَ من حرم قتل الحيوانات بدون منفعة، وبدون دفع مضرة، وأول من منع اتخاذ الحيوان هدفا من أهداف اللهو واللعب، فقتل الحيوان في الإسلام لا يجوز إلا لأمرين: من أجل الانتفاع به كالأكل مثلا، أو من أجل دفع مضرته، وفي هذا يقول الرسول فيما روى النسائي: «ما من إنسان فتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال يذبحها فيأكلها ولا بقطع رأسها يرمى بها»، ويقول الرسول فيما روى النسائي وابن حبان: «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله -أي رفع صوته إلى الله- بالشكوى يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة»، هذا مجرد عصفور واحد، يرفع الشاكية إلى الله ضد هذا الإنسان، الذي قتله بدون منفعة، فكيف بمن يقتلون الحيوانات لهوا ولعبا؟ وكيف بمن يتلاعبون بالعجول وذلك بالضرب بالسيوف حتى الموت قصد الفرجة وتسجيل أنفسهم في قائمة الأبطال؟ روى أبو داوود والترمذي عن جابر قال: «نهى رسول الله عن التحريش بين البهائم».

رابعا: إن الإسلام في حملته للحفاظ على البيئة الطبيعية، يحث على التشجير، وغرس النباتات النافعة، مهما كانت الظروف قاسية، ولا أدل على ذلك من قول الرسول الله فيما روى البخاري: «إذا قامت القيامة، وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها فليفعل، فله بذلك أجر»، ويقول فيما روى البخاري: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة»، وبذلك كان النبي الأمي أولَ من دعا لحملة التشجير في العالم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛
مما سبق نستخلص أن السبب الرئيسي في تلوث البيئة الطبيعية بهذا الشكل هو تلوث البيئة الإيمانية؛ فتلوث البيئة الإيمانية هو مكمن الداء ورأس الأدواء؛ ما ضاع شرع الله إلا بتلوثها، وما انتشر الشره إلا بتلوثها، وما أدمنوا على التدخين والمخدرات والخمور إلا بتلوثها، وما ضاعت حقوق الإنسان إلا بتلوثها، وما ضاعت الثقة والأمانة إلا بتلوثها، وما ماتت الضمائر الحية إلا بتلوثها، وما عانت الإنسانية من الحروب والتقتيل والتشريد إلا بتلوثها، وما سقطنا في متاهات تلوث البيئة إلا حين تلوث الإيمان، وما أسرفوا في المواد التي تضر إلا حين تلوث الإيمان بالطمع، وما أسرفوا في إبادة الحيوانات وقطع الأشجار إلا حين تلوث الإيمان بالأنانية والشره

والرسول يقول: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب الأمر بنفسه». والله تعالى يربط بين البيئة الطبيعية والبيئة الإيمانية إذ قال: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم}، وإذ قال: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}، والرسول يقول: «إن الله طيّب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة» ويقول: «الطهور شطر الإيمان» ويقول: «إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان» وفي هذه الأحاديث يربط بين البيئة الإيمانية والبيئة الطبيعية، ويبن لنا أن إزالة أي أذى يضر بالإنسان في بيئته دليل واضح على صدق إيمانه وطهارته
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله...


  أئمةمروك_عبدالله بنطاهر

المطلوب بعدالإستفادةمن الخطبة 

يقول شيخنا  أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

هناك تعليق واحد:

  1. جزاك الله خيرا صاحب الفضيلة
    أخوك محمد بن مبارك الشرافي, خطيب من السعودية
    استفدت من خطبك

    ردحذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا