خطبة مكتوبة:أيام عشردي الحجة خصائص وأعمال
من تأليفالفقيه السوسي سيدي عبدالله بن طاهر التناني
لخطبة الجمعة : 29 ذو القعدة 1437هـ 2 / 9 / 2016م.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت، وتوالت نعمه على عباده وتمت، أحمد سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره لهجت بذكره النفوس المؤمنة فاطمأنت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة زكت بها النفوس وصفت، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أقام ذكر الله تعالى حتى ارتفعت راية الإسلام واستكملت، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الجزاء على الأعمال التي تمت وصلحت.
أما بعد، فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ نستقبل في هذه الأيامِ الأيامَ العشر الأول من شهر ذي الحجة، وهي أيام مباركات خصها الله عز وجل بخصائص عظيمة، وميَّزها بميزات متميزة، يحسن بنا استقبالها بحسن الإقبال آملين من الله تعالى حسن القبول، نُقْبِل عليها بالأعمال الصالحة إذا هي أقبلت، فإذا كانت العشر الأواخر من رمضان أفضل أيام السنة بليلها لوجود ليلة القدر فيها، فإن العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام السنة بنهارها لوجود يوم عرفة ويوم الأضحي فيها.
فما هي خصائصها؟ وما هي الأعمال المطلوبة فيها؟
أولا: من خصائصها:
1) أن الله تبارك وتعالى أقسم بها في القرآن الكريم تشريفًا لها وتعظيما لشأنها؛ قال سبحانه: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين: المراد بالعشر في الآية: العشر الأوَائل من شهر ذي الحجة.
2) أن العمل الصالح فيها خير منه في غيرها؛ فما تقرب إلى الله تعالى عبد بعبادة أفضل من التقرب إليه سبحانه في هذه الأيام الفاضلة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيﷺ قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة- قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
3) أنها أيام يجتمع فيها من أمهات الطاعات ما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة كما قال ابن حجر العسقلاني؛ ففي هذه العشر تجتمع الصلاة والصيام والحج والزكاة والذكر، ولا يتأتى اجتماع هذه الطاعات إلا فيها.
4) أن الله تبارك وتعالى جعلها موسماً لأداء فريضة الحج، ولا يصح الحج في غيرها، قال النبيﷺ: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة».
5) أن تاسعها يوم عرفة؛ قال النبيﷺ في حق الحجاج الواقفين في عرصاته: «إن الله تعالى يباهي بأهل عرفة أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعْثا غبْرا»، وقالﷺ أيضا فيما روى الإمام مالك: «ما رُئِيَ الشيطانُ يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام».
ولم يُحْرِم الله تعالى غير الحجاج من فضل هذا اليوم العظيم؛ فقد قال النبيﷺ فيما روى الإمام مسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده»، وصيام يوم عرفة خاص بغير الحجاج مكروه صيامه على الحجاج.
6) أن آخر آية من القرآن الكريم في التشريع نزلت في هذه الأيام العشر؛ روى البخاري ومسلم «أن رجلا من اليهود قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين؛ آية في كتابكم تقرؤونها؛ لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبيﷺ، وهو قائم بعرفة يوم جمعة».
7) أن ختامها يوم عيد الأضحى وهو يوم الحج الأكبر؛ أخرج البخاري أن النبيﷺ قال: في يوم النحر: «هذا يوم الحج الأكبر»، وقالﷺ فيما روى أبو داود: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ».
ثانيا: أما الأعمال المطلوبة في هذه الأيام، فمنها:
1) التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب، حتى تحقق لنا الأعمال الصالحة فيها المغفرة والرحمة؛ لأن الإصرار على المعاصي يمنع القبول، ويحول بين مرتكبها وبين المغفرة والرحمة.
2) أداء الحج والعمرة، وهو أفضل ما يعمل فيها لمن كتب له ذلك هذه السنة.
3) صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها وخصوصا يوم عرفة لغير الحاج؛ لما روى الإمام مسلم أن النبيﷺ قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده»، أما الحاج الواقف بعرفة فلا يشرع له صيام يوم عرفة.
4) الإكثار من ذكر الله تعالى تحميدا وتهليلا وتكبيرا؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ»، وقد فسرت بأنها أيام العشر ، ولما روى الإمام أحمد أن النبيﷺ قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»، وروى البخاري أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق في هذه العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم, وكان فقهاء التابعين رضي الله عنهم يقولون في هذه الأيام: «الله أكبر الله، أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد».
5) كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام.
6) تشرع في اليوم العاشر منها الأضحية، لمن استطاع إليها سبيلا، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم.
7) أداء صلاة العيد وحضور الخطبة من أجل الاستفادة .ويوم العيد هو يوم شكر وعمل بر.
أيها الإخوة المؤمنون؛ لا ينبغي للمسلم أن يفوت فرصة هذه الأيام المباركة؛ فالتجار في الدنيا عادة لا يفوتون المواسم التجارية المربحة؛ بل يستعدون لها أتم استعداد بجلب البضائع الرائجة، وإحضار السلع المطلوبة، وهذه الأيام العشر هي موسمٌ رابح للتجارة الربانية؛ فأين تجار الآخرة ليغتنموا فرصة هذه الأيام؟ أين التجار مع الله تعالى لجلب البضائع الرائجة والسلع المطلوبة؟ وهي الأعمال الصالحة؛ من الصيام والصدقة والتوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله تعالى تحميدا وتهليلا وتكبيرا؛ أي: (الحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العلمين…
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد، فيا أيها الاخوة المؤمنون؛
إنَّ انتشار الغفلة كثيرا ما تحرمنا من اغتنام فرص الخيرات في أوقاتها، ولهذا ينبغي أن نغتنم هذه العشر بالتنبه واليقظة أولا حتى لا تفوت مجانا؛ وبالتوبة إلى الله عز وجل ثانيا، ثم بعد ذلك الاجتهاد في حسن العبادة وكثرة الدعاء والإكثار من ذكر الله تعالى.
ولا ينبغي لنا -ونحن في هذه الأيام المباركة- أن ننسى إخواننا المستضعفين في كل مكان، وخصوصا في فلسطين واليمن والعراق، وبخصوص الخصوص أطفال سوريا الأبرياء، وقد رأيتم من ذلك صورا ومشاهد تحير العقول، وتدمي القلوب، وتنهد لها الجبال و تندى لها الجباه؛ وحيث لا نستطيع فعل شيء من أجلهم يجب ألا ننساهم في هذه الأيام في الدعاء بأن يفرج الله كربهم، وينتقم من أعدائهم الظالمين والمتخاذلين.
ألا فاتقوا الله عباد الله؛ وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…
*** أئمة مروك_ :عبدالله بنطاهر التناني ***
سيدي عبد الله بنطاهرالتناني إمام وخطيب بأكادير ومشرف مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق
وللمزيد من ترجمة شيخنا يرجى الضغط :
هنا
وله خطب قيمة ولمن يريد الإستفادة منها له ذلك
بشرطين كما يقول شيخنا :
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
وتابعوا نشرهاباستمرار في أئمة مروك "بحول الله وقوته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا