حكم دفع زكاة المال لبناء المساجد:فقيه مدرسة الإمام البخاري - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

حكم دفع زكاة المال لبناء المساجد:فقيه مدرسة الإمام البخاري

ماحكم دفع زكاة المال لبناء المسجد؟

سائل يسأل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لدي سؤال: ماحكم دفع زكاة المال لبناء المسجد؟ وهل يدخل ذلك في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغار مين ((وفي سبيل الله)) وابن السبيل فريضة من الله)؟...

الجواب: مصارف الزكاة حددها الله تعالى في القرآن الكريم في ثمانية أصناف بأداة الحصر (إنما)؛ ولا يجوز صرفها في غيرها؛ ولكن العلماء اختلفوا في معاني بعض هذه المصارف؛ وخصوصا (في سبيل الله) ويمكن تصنيف هذا الخلاف إلى ثلاثة أصناف:

أولا: من العلماء من ضيقوا معنى (في سبيل الله)؛ فقصروه على ممارسة الجهاد بمعناه الخاص؛ لأنه المتبادر منه عند الإطلاق؛ أي: ممارسة الحرب والقتال فعلا لإعلاء كلمة الله، بحيث لا تصرف الزكاة في إطار (في سبيل الله) إلا للجندي المحارب، وهو قول ابن بشير من المالكية ولم يُعرف لغيره منهم، وعليه اقتصر الشيخ خليل في مختصره حين قال: "لا سور ولا مركب"(1)، وعلى هذا لا يدخل فيه –طبعا- بناء المساجد.

ثانيا: منهم من توسط فقصر معناه على الجهاد أيضا؛ لكن في معناه العام؛ ليشمل الإعداد للجهاد بكل ما يسمى اليوم عسكريا (لوجستيكي) كما يقولون؛ من الإمداد بالمعلومات الاستخباراتية والتقنية، إلى تدريب الجيوش، إلى الدعم المادي إلى شراء الأسلحة والدبابات والناقلات والطائرات وغير ذلك مما لا يدخل ضمن ممارسة القتال والحرب؛ ولكن يدخل ضمن إعداد القوة التي تصب في النهاية لصالح الجهاز العسكري؛ وبه قال ابن عبد الحكم من المالكية، واقتصر عليه اللخمي(2)، واستظهره الشيخ خليل في كتابه "التوضيح". وقال ابن عبد السلام: هو الصحيح(3). وعلى هذا أيضا لا يشمل بناء المساجد.

ثالثا: منهم من وسع في معناه ليشمل جميع وجوه البر والخير لصالح عامة الأمة، وفقا للمدلول الأصلي للكلمة (في سبيل الله) في وضعها اللغوي؛ ويدخل في ذلك بناء المساجد وعمارتها، ومدارس التعليم، والخيريات لإيواء الفقراء، والمستشفيات للعلاج المجاني، ومراكز تصفية الدم، وتكفين الموتى، وبناء الحصون، وغيرها مما يصب لصالح الأمة عموما بغنيها وفقيرها؛ "لأن قوله: {وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ} عام في الكل"؛ نقل هذا القول الفخر الرازي في تفسره عن الإمام أبي بكر القفال الشاشي(4) ولم يعقب عليه مما يوحي بميله إليه(5). وقال به من المعاصرين علامة الهند صديق حسن خان، والشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره "محاسن التأويل"، ورشيد رضا في كتابه "تفسير المنار"، وشيخ الأزهر السابق محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة"، ومفتي مصر السابق حسنين مخلوف(6).

ولكن الذي عليه الجمهور من المذاهب الأربعة أن صرف الزكاة في غير المصارف الثمانية لا يجوز؛ قال ابن الجلاب: "ولا يجوز صرف شيء من الصدقات في غير هذه الوجوه الثمانية: من عمارة المساجد أو بناء القناطر أو تكفين الموتى أو فك الأسارى أو غير ذلك من المصالح"(7)؛ لأننا لو فسرنا الآية (في سبيل الله) بأن المراد بها كل عمل بر وخير أريد به وجه الله لم يكن للحصر (إنما الصدقات للفقراء...) فائدة إطلاقاً؛ لأن ما أريد به وجه الله يشمل بناء المساجد، وإصلاح الطرق، وبناء المدارس، وطبع الكتب، وغير ذلك من كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل من أعمال البر التي لا حصر لها.
وممن أفتى بهذا من علماء سوسنا العلامة أبو العباس سيدي الحاج أحمد الكشطي فقيه مدرسة "ألـما" العتيقة، والعلامة سيدي الحاج ابراهيم بن العربي الصوابي الميلكي، فقيه مدرسة "أيت ميلك" العتيقة(8).

المراجع:
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (1/497).
(2) التبصرة للخمي: (ج1ص982)،
(3)الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (1/497).
(4) ولد القفال في: (291ه/904م)، وتوفي في: (365ه976م).
(5)تفسير الفخر الرازي: (ج1/ص2248) وفقه الزكاة للقرضاوي: (ج2/ص645).  
(6) فقه الزكاة للقرضاوي: (ج2/ص647-650).  
(7) التفريع لابن الجلاب: (ج1ص298)، وشرح مختصر خليل للخرشي: (ج2/ص219).
(8) نشرتُ فتواهما بتحقيقي في مجلة المذهب المالكي العدد الثامن.
 
كتبه عبدالله بنطاهر التناني السوسي
بين الظهرين من يوم الخميس
6 ربيع الأخير 1435هـ 6/2/ 2014م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.

وأرجو من سادتي الفقهاء: إن تبين لكم خطأ فيما كتبت فنبهوني؛ فهو بالنسبة لي أحسن هدية؛ وقديما قيل: "المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من مُنشئه"..

أئمةمروك_عبدالله بنطاهرالتناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا