خطبةمكتوبة:ظاهرةالجفاف وضرورة التوبة النصوح - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبةمكتوبة:ظاهرةالجفاف وضرورة التوبة النصوح

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
الحمد لله الذي جعل التوبة أساس الطاعة، وجعل الطاعة من أفضل الوقاية والمناعة، وأشهد أن لا إله إلا الله حرم علينا ما ظهر وما بطن من الفواحش وسوء البضاعة، وأمرنا بالعفاف والقناعة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرمه الله تعالى بالرحمة والشفاعة، فأكرم بشرعه الفرد والجماعة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الإقدام والشجاعة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الساعة.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
لقد تأخر المطر هذه السنة، وصلى الناس صلاة الاستسقاء تضرعا إلى الله تعالى وابتهالا، ولهجوا بألسنتهم: «اللهم اسق عبادك وبهيمتك...»؛ راجين من الله تعالى رحمة الغيث والمطر، والبلاد يهدها الجفاف، لقد أصبح صعيدا زلقا، وأصبح ماؤها في بعض الأماكن غورا فلن نستطيع له طلبا، والفلاح قد أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها، فيبس الضرع وجف الزرع،  لقد أخذ الجفاف بمجامع الأرض كما أخذ الجفاء بمجامع القلوب، لقد هدد الجفاف بأنيابه الفلاحة ومنتوجاتها، وأنشب القحط أظفاره إليها...
هذا هو وصف الحالة ولكن المسلم لا ينبغي أن ييأس مما عند الله، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}؛ بل من الواجب على المسلم أن يغتنم الفرصة، وأن يستفيد من كل شيء حتى من الفتن والبلايا، فالجفاف بليلة وفتنة، ولكنه إذا استطعنا توظيفه في الإصلاح فهو فرصة ومنة، كيف ذلك؟
لقد وظف الله تعالى الجفاف في الإصلاح، فربط سبحانه نعمة المطر بنوعية أعمالنا، بالإيمان والتقوى والاستقامة، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، وقال سبحانه: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً}، كما ربطه بالتوبة والاستغفار فقال سبحانه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ}، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً{.
ولذلك فالجفاف فرصة للعودة إلى الله، فرصة لمحاسبة النفس، فرصة لإعلان التوبة النصوح، واستجابة الدعاء الذي نردده كل يوم «اللهم اسق عبادك» مبني على أمرين: أن يكون القلب حاضرا، وأن يكون العمل طاهرا؛ ففي حضور القلب يقول النبيﷺ: «إن الله لا يستجيب الدعاء من قلب لاه غافل»، وفي طهور العمل يقولﷺ: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء»، وإذا كان الإيمان الصادق هو بداية طهارة القلب، فإن التوبة النصوح هي بداية طهارة العمل.
وفي الحقيقة أن المسلم دائما في حاجة إلى التوبة، فإن من الحقائق الثابتة، أنه لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يستطيع أحد أن يدعي العصمة لنفسه، ومن ادعاء ذلك -كما عند غلاة الشيعة- فادعاؤه هذا دليل على أنه كذاب ماكر، لأنه اعتدى على خصوصية النبوة، وقد جاء عن أئمة الإسلام الكبار أقوال نأوا فيها بأنفسهم عن ادعاء العصمة من الأخطاء، فقال إمامنا مالك رحمه الله: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوفق الكتاب والسنة فاتركوه" وقال أيضا: "ليس أحد بعد النبيﷺ إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبيﷺ" وقال أبو حنيفة: "إننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا"، وقال الشافعي: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقولي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وكيف يكون الإنسان معصوما وجوارحه التي أحيطت به قد تخونه في أية لحظة؟ فإن نجا من هذه تصيدته تلك: فإن نجا من فرجه تصيده لسانه، وإن نجا من لسانه فخائنة الأعين له بالمرصاد، والإنسان مهما بلغ ومهما كان! تكون له فترة سوداء من حياته ارتكب فيها المنكرات، وانقاد وراء ما تستحلي النفس الأمارة من الشهوات، وهو طيلة حياته ما لبث تكون له عثرات وكبوات، ولكل جواد كبوة كما يقال. فلو سأل كل واحد منا نفسه، في حديث صادق مع نفسه: أليس الأمر كذلك؟ فسيجد الجواب: نعم إنه كذلك! والرسولﷺ يقول فيما روى الترمذي: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون».
وهل تدرون لماذا؟ لأن الإنسان مخلوق ضعيف، يشتمل على غرائز شتى، لا يملك أن يضبط نفسه أمام منظر مثير من مفاتن الحسن والجمال، أو أمام نظرات مشحونة بالإغراء، أو حركات مشبعة بالإثارة، تستهويه المناظير الخلابة وإن كانت حراما، ويحلو له إشباع غرائزه غير مبال بالحلال منها والحرام، ومن الصعب أن يتمالك نفسه عندما يسمع المليون والمليار، وله أعداء كثيرة، من شياطين الإنس، وشياطين الجن، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المتبع، فكان بذلك مهيأ لارتكاب الذنوب، فاحتاج إلى الاستغفار منها، فاحتاج إلى تلقيح نفسه الأمارة بالتوبة النصوح.
والتوبة والاستغفار -يا عباد الله- حصن حصين، وركن متين، يأوي إليه الإنسان كلما جرفه الهوى والشيطان، وكلما ساقته النفس الأمارة إلى مستنقعات الرذيلة والخسران، وهي القنطرة التي يتحول بها الإنسان من مستنقعات الكفر والمعاصي والفجور، إلى شاطئ الإسلام والطاعة والبرور، فكان المسلم في حاجة للتوبة على كل حال، روى الترمذي والنسائي «أن الصحابة رضوان الله عليهم يسمعون من النبيﷺ في المجلس الواحد يقول مائة مرة: رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الغفور»؛ وإذا كان النبيﷺ يكثر من الاستغفار والتوبة هكذا وذنوبه مغفورة؛ أفلا نكون نحن في حاجة إليها وذنوبنا كثيرة؟!
ولكن لا يكفي أبدا أن نلهج بألسنتنا: أستغفر الله وأتوب إليه، إذا لم يكن لها في الواقع معنى ووقعا، ولا يكفي أن نكثر من الاستغفار ونحن غارقون في الذنوب، وشوارعنا ملئ بمناكر يندى لها جبين الحياء خجلا، ومعاملاتنا في جفاء وجفاف من شرع الله، وأموالنا ملوثة بالحرام.
أيها الإخوة المؤمنون! فما معنى هذه التوبة التي كثيرا ما نلهج بها دون أن نعرف معناها؟ وما هي شروطها التي كثيرا ما نغفُل عنها ونحن نلوك بألسنتنا: أستغفر الله وأتوب إليه؟
إن التوبة -يا عباد الله- ليست مجرد لفظ يردده المسلم بلسانه، فالتوبة لها شروط لا تصح إلى بها:
فمن شروط التوبة الندم على ارتكاب معاصي في الماضي، بأن يحزن قلب المذنب، ويسوؤه ما صدر منه، والرسولﷺ يقول فيما روى الحاكم وصححه: «الندم توبة»، والندم حالة نفسية تمنع الإنسان من العودة إلى الجريمة مرة أخرى، وهي ما يسمى الآن عندنا بتأنيب الضمير.
ومن شروط التوبة الإقلاع عن ذنوب تمارس في الحال، وعدم الإصرار عليها، والله تعالى يقول: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
ومن شروط التوبة أن يكون التائب ذا عزيمة قوية ونية صادقة، في عدم العودة إلى هذا الذنب في المستقبل مرة أخرى، لأن الذي يتوب من ذنب وفي نيته أن يعود إليه كلما سنحت الفرصة إنما شيوخه اليهود الذين قال الله تعالى عنهم في جريمة الرشوة: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الادْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَاتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَاخُذُوهُ} ...
ومن شروط التوبة إذا كانت الذنوب تتعلق بحقوق العباد أن يتحلل المذنب منها وأن يردها إلى أصحابها إذا كان ممكنا، وإلا طلب منهم العفو والسماح؛ روى الإمام مسلم أن النبيﷺ قال: «إن المفلس من أمتي من أتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
ألا كفى بهذا الحديث النبوي واعظا وزاجرا لمن يظلم غيره في نفسه أو ماله، أو في عرضه وأهله! ألا كفى به تحذيرا وتذكيرا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد! يقول الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت، قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار، أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}.
صدق الله العظيم، وغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ إن من رحمة الله تعالى بعباده أنه يفرح بتوبة عبده وإن كان للذنوب مقترفا، ومن مستنقعات الرذائل مغترفا، إذا رجع العبد إليه سبحانه معترفا، وتاب إليه خاشعا مرتجفا، راجيا وخائفا، والرسولﷺ يقول فيما روى الإمام مسلم: «إن الله عز وجل أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها»، ويقولﷺ فيما روى مسلم: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»، وأعظم فائدة للتوبة، وأكبر نتيجة للإنابة، أن يجد المسلم يوم القيامة ما ارتكب قبل التوبة من السيئات، قد تحولت كلها إلى حسنات، فكفى التائب فرحا وشرفا، وكفاها تقربا وزلفى، أن يجد في موضع الكافر مؤمنا، وفي موضع المشرك مخلصا محسنا، وفي موضع الشاك المنافق مطمئنا، وفي موضع الفاسق محصنا، وفي موضع الظالم الجائر عادلا منصفا، وفي موضع العاصي الفاجر مطيعا عفيفا، لكن بشرط التوبة النصوح، والرجوع إلى الله بكل شفافية ووضوح، مع المحافظة على العمل الصالح، والبعد عن العمل الطالح، والله تعالى يقول: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا}.
والذنب مهما عظم فعفو الله أعظم، ومن ظن أن ذنبا لا يسعه عفو الله فقد فسق وأجرم، وظن بالله ظن السوء فساء وتعدى وظلم، والله تعالى يقول: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ولقد أحسن من قال:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة***فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسـن***فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجـا***وجميل عفوك ثـم أني مسلم
ولكن لا يجوز بحال من الأحوال، أن يعتمد المسلم على سعة عفو الله ورحمته فيتمادى على المعاصي على امتداد الأزمان والأجيال، ويصرَّ على الذنوب في الأقوال والأفعال، ثم يقول: سيغفر لنا ذو العزة والجلال، وهذا لا يجوز لأن معناه الأمن من مكر الله الكبير المتعال؛ والله تعالى يقول: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ويقول سبحانه: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأنا عذابي هو العذاب الأليم}.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

***  أئمة مروك_  :عبدالله بنطاهر التناني  ***

سيدي عبد الله بنطاهرالتناني إمام وخطيب بأكادير ومشرف مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق
وللمزيد  من ترجمة شيخنا يرجى الضغط  :هنــا
وله خطب قيمة ولمن يريد الإستفادة منها له ذلك
بشرطين كما يقول شيخنا :
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
وتابعوا نشرهاباستمرار في أئمة مروك "بحول الله وقوته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا