وُجُوبُ حَقِّ الْحَيَاءِ، مِنْ خَالِقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وُجُوبُ حَقِّ الْحَيَاءِ، مِنْ خَالِقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ

من إعداد فضيلة الاستاذ: رشـيـد الـمـعاشي

اَلْحَمْدُ لِلهِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الثَّنَاءِ، أَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَسْتَحْيُواْ مِنْهُ حَقَّ الْحَيَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَنْجُو بِهَا يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْأَصْفِيَاءِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمُ الْوَاضِحِ بِلَا غُمُوضٍ وَلَا خَفَاءٍ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

هَا هِيَ الْعُطْلَةُ الصَّيْفِيَّةُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ يَحُثُّ الْإِنْسَانَ عَلَى أَنْ يُعِيرَ نَفْسَهُ بَعْضَ الِاهْتِمَامِ، وَيَمْنَحَهَا بَعْضَ الرَّاحَةِ وَالاسْتِجْمَامِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي إِطَارِ مَا أَبَاحَهُ رَبُّ الْأَنَامِ، لِأَنَّ الْعُطْلَةَ لَيْسَتْ وَقْتاً مُقْتَطَعاً عَلَى هَامِشِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ مُنَاسَبَةً يُبَاحُ فِيهَا انْتِهَاكُ الْحُرُمَاتِ وَارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ سَيُحَاسَبُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ بَعْدَ الْمَمَاتِ، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: وُجُوبُ حَقِّ الْحَيَاءِ، مِنْ خَالِقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي عُنْصُرَيْنِ اثْنَيْنِ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ حَــقِّ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّـــهِ، قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: الْحَيَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ: خُلُقٌ يُعِينُ صَاحِبَهُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ، وَيَمْنَعُهُ مِنَ التَّقْصيرِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ. وقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ذَلِكَ بِالنَّتِيجَةِ فِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اِسْتَحْيُواْ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّـهِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ تَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: مَظَاهِرُ حَقِّ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ، فَالْمُتَأَمِّلُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَتَجَلَّى لَهُ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مُجَرَّدَ شِعَارٍ يُرَدِّدُهُ اللِّسَانُ، بَلْ هُوَ مَا أَصْلَحَ سُلُوكَ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ لَهُ عِدَّةَ مَظَاهِرَ وَهِيَ: 

الْمَظْهَرُ الْأَوَّلُ: حِفْظُ الرَّأْسِ وَمَا وَعَى، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِحِفْظِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْعَقْلِ مِنَ الْحَرَامِ، اِسْتِحْضَارًا لِمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا. وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ. 

الْمَظْهَرُ الثَّانِي: حِفْظُ الْبَطْنِ وَمَا حَوَى، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِحِفْظِ القَلْبِ وَالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنَ الْحَرَامِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ﷺ: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ بَعْدِي بُطُونَكُمْ وَفُرُوجَكُمْ.

الْمَظْهَرُ الثَّالِثُ: تَذَكُّرُ الْمَوْتِ وَالْبِلَى، فَفِي تَذَكُّرِ الْمَوْتِ حَمْلٌ لِلنَّفْسِ عَلَى التَّزَوُّدِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَكَفٌّ لَهَا عَنِ ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اَلْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ.

نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْمَظْهَرُ الرَّابِعُ: تَرْكُ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِجَعْلِهَا وَسِيلَةً إِلَى الطَّاعَاتِ، لَا غَايَةً تُرْتَكَبُ فِي سَبِيلِهَا الْمُحَرَّمَاتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا. وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ مَنْ حَفِظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَتَخَفَّفَ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، فَقَدْ حَقَّقَ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبَلَغَ مَرْتَبَةَ الْأَتْقِيَاءِ الْمُحْسِنِينَ، وَكَسَبَ مَعِيَّةَ اللَّهِ الْخَاصَّةَ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ.

اَلــــدُّعَــــــــاءُ:...

هناك تعليق واحد:

  1. الله يجعلكم هدامهتدين ونفع بعلمكم الأمة ءامين يارب العالمين جزكم الله خيراً

    ردحذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا