مفهوم إمارةالمومنين ومكانتها من الدين
خطبة جمعة بمناسبة عيد العرش المجيد
من اعداد فضيلة الأستاذ : رشـيـد الـمـعاشي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، أَنْعَمَ عَلَى هَذَا الْبَلَدِ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَوَلَّى عَلَيْهِ خِيَارَهُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذهِ النِّعْمَةِ فِي كُلَّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوةُ الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الشَّعْبَ الْمَغْرِبيَّ – كَمَا تَعْلَمُونَ جَمِيعًا - يَسْتَعِدُّ لِلِاحْتِفَالِ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، شَهْرِ يُولْيُوزْ، بِذِكْرَى وَطَنيَّةٍ غَالِيَةٍ، إِنَّهَا ذِكْرَى عِيدِ الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، ذِكْرَى تَرَبُّعِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مُحَمَّدٍ السَّادِسِ – حَفِظَهُ اللَّهُ - عَلَى عَرْشِ أَسْلَافِهِ الْمَيَامِينِ، وَيَأْتِي الِاحْتِفَالُ بِهَذِهِ الذِّكْرَى مِنْ أَجْلِ تَجْدِيدِ التَّأْكِيدِ عَلَى قُوَّةِ الرَّابِطَةِ الشَّرْعيَّةِ التِي تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّعْبِ الْمَغْرِبِــيِّ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى أَسَاسِ الْبَيْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِنَصِّ كِتَابِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبِهَــــذِهِ الْمُنَاسَبَةِ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَــذَا الْيَــوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ – بِحَـوْلِ اللَّـهِ تَعالَى - هُوَ: مَفْهُومُ إِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَكَانَتُهَا مِنَ الدِّينِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْإِمَارَةِ وَحُكْمُهَا، فَالْإِمَارَةُ لُغَةً هِيَ: الْوِلَايَةُ وَالسُّلْطَةُ، وَاصْطِلَاحًا هِيَ: الْقِيَامُ عَلَى شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ بِمَا يُصْلِحُ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْإِمَارَةُ هِيَ أَعْلَى مَنْصِبٍ فِي نِظَامِ الْحُكْمِ الْإِسْلَامِيِّ، وَالْقَائِمُ بِهَذَا الْعَمَلِ يُسَمَّى بِـ(الْأَمِيرِ) أَوِ(الْخَلِيفَةِ)، أَوِ(الْإِمَامِ)، أَوْ(وَلِيِّ الْأَمْرِ) أَوِ(السُّلْطَانِ)، وَتَوْلِيَةُ الْأَمِيرِ وَاجِبَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيكُمْ الْبَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيكُمْ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُواْ لَهُمْ وَأَطِيعُواْ فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُواْ فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُواْ فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ خَلْدُونٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُقَدَّمَتِهِ: إِنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ وَاجِبٌ قَدْ عُرِفَ وُجُوبُهُ فِي الشَّرْعِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ وَفَاتِهِ بَادَرُواْ إِلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَتَسْلِيمِ النَّظَرِ إِلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: اَلْحِكْمَةُ مَنْ تَوْلِيَةِ الْأَمِيرِ، فَالْمَقْصِدُ الْعَامُّ مِنْهَا هُوَ جَلْبُ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ، وَيُمْكِنُ تَلْخِيصُ ذَلِكَ فِي حِكْمَتَيْنِ أَسَاسِيَتَيْنِ:
📚اَلْحِكْمَةُ الْأُولَى: أَنَّ النَّاسَ مَعَ اخْتِلَافِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ، وَتَعَدُّدِ مَرْجِعِيَّاتِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَيْشَ فِي مُجْتَمَعٍ وَاحِدٍ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ عَلَى مُسْتَوَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَيَمْنَعُ ظُلْمَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَيُؤَدِّي الْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، فَتَسْتَمِرُّ الْأُمَّةُ عَلَى الْهِدَايَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتُحَافِظُ عَلَى هَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْإِيمَانِيَّةِ، وَتَجْتَمِعُ كَلِمَتُهَا وَتَتَوَحَّدُ صُفُوفُهَا عَلَى كَلِمَةِ سَوِيَّةٍ، اِمْتِثَالًا لِقَوْلِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.
📚اَلْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْأُمَةِ أَنْ تَتَحَقَّقَ عِزَّتُهَا وَمَنَاعَتُهَا، وَتَتَيَسَّرَ نَهْضَتُهَا وَازْدِهَارُهَا، وَيَكُونَ لَهَا مَوْطِئُ قَدَمٍ بَيْنَ أَقْرَانِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَتْ تَعِيشُ فِي ظِلِّ قِيادَةٍ مُؤْمِنَةٍ قَوِيَّةٍ، رَاعِيَةٍ مُتَبَصِّرَةٍ، تَحْمِي دِينَهَا وَوَطَنَهَا، وَتَضْمَنُ أَمْنَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَتَجْمَعُ شَتَاتَهَا وَشَمْلَهَا، وَتَجْعَلُ مِنْ أَبْنَائِهَا يَدًا وَاحِدَةً، وَبُنْيَاناً مُتَمَاسِكًا يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، يَحْمِلُونَ هَمَّ دِينِهِم وَوَطَنِهِمْ، وَيَتَفَانَوْنَ فِي خِدْمَتِهِمَا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، عَمَلًا بِقَوْلِ عَالِمِ السِّرِّ وَالنَّجْوَى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى الْمَغْرِبِ، فَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ الْكُبْرَى عَلَى بَلَدِنَا الْمَغْرِبِ الْمُسْلِمِ الْأَبِيِّ، أَنْ هَيَّأَ لَهُ مُنْذُ قُرُونٍ وَأَجْيَالٍ قِيَادَةً مُؤْمِنَةً، رَشِيدَةً حَكِيمَةً، صَالَحَةً مُصْلِحَةً، مِنْ سُلَالَةٍ الْعِثْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، تَرْعَى هَذَا الْبَلَدَ وَتَصُونُهُ فِي شُؤُونِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَتَحْكُمُهُ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِأُولِي الْأَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِ رَبِّ الْأَنَامِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. إِنَّهَا طَاعَةٌ دِينِيَّةٌ تَقُومُ عَلَى الْبَيْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ مَقَالِيدَ الْأُمَّةِ وَتَدْبِيرَ أُمُورِهَا، وَالسَّهَرَ عَلَى مَصَالِحِهَا؛
لِذَلِكُمْ يَجِبُ عَلَيْنَا – مَعَاشِرَ الْمَغَارِبَةِ الْكِرَامِ – أَنْ نَّسْتَشْعِرَ قِيمَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَنَتَعَاوَنَ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ – حَفِظَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَالْحَيَاةِ الْكَرِيمَةِ، بِنَاءً عَلَى الرَّابِطَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَجْمَعُنَا بِهِ، مِنْ أَجْلِ الْعَمَلِ الْمُتَوَاصِلِ الْهَادِفِ إِلَى النُّهُوضِ بِهَذَا الْبَلَدِ وَشَعْبِهِ الْكَرِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ، جَاعِلِينَ نُصْبَ أَعْيُنِنَا قَوْلَ رَبِّ الْعَالَمِينَ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
اَلدُّعَاءُ...
السلام عليكم سعيد بالحديث معكم لو تكرمتم نريد منكم خطبة حول موصوع كيف عالج الإسلام البطالة..
ردحذف