الحركة العلمية بشيشاوة نماذج من أعلامها - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

الحركة العلمية بشيشاوة نماذج من أعلامها



بقلم_الباحث_الدكتور:رشيد اليزيدي 

 حاصل على دكتوراة في تخصص الفقه وأصوله بجامعة القاضي عياض بمراكش مهتم بتراث المنطقة.

إقليم شيشاوة وما جاورها.

الحمد لله الذي جعل صلة رحم العلم بين أهله، وجعل نوابه العلماء الذين يبلغون رسالة ربهم مخلصين، والصلاة والسلام على سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: 

فمما لا يدع مجالا للشك في أفئدة المتخصصين ، ولا يترك ريبا في نفوس الباحثين، أن التفتيش والتنقيب عن سير العلماء  والبحث عن آثارهم، واستقراء أخبارهم، ليعد من الخصل الحميدة والشيم الجميلة، لأن هذا يعد من شيم الكرماء الذين يعترفون لذوي الفضل بفضلهم، وذوي المكانة السامية بمنازلهم العالية، 

وخاصة إذا كان أهل ذي المكانات من قبل العلماء الكبار المغمورين الذي لايشق لهم غبار، ولايضاهيهم بِشْرٌ ولا عمَّار، قضوا جل أعمارهم في التدريس والإفتاء، فكانت مدارسهم  عامرة ، وزواياهم شامخة، تضرب إليها أكباد الإبل، وتشد إليهم الرحال، يؤتون إليها من كل حدب وصوب، قصد النهل من معين هؤلاء الأخيار، ولازالت آثارهم عليهم شاهدة، من هؤلاء الفضلاء أحد أعمدة العلم وكبار نظارها، يضرب به المثل في الإفتاء واستحضار الأجوبة الفقهية، قد استقر بأرض شيشاوة ، وهي مهده الأول، فكانت رحلته العلمية بدأت من منطقته شيشاوة.

▪︎ ألا وهو سيدي محمد بن إبراهيم السباعي التكروري ، قد سواه الله من طينة الشرف والحسب، كان هذا الشهم العلامة مضربَ مثل عند أهل زمانه، وتخضع لفصاحته وبلاغته صيارفة النثر والنظام من حملة الأقلام، الدراكة الفهامة الذي ساجله علماء عصره ليدركوا في مجال الإدراك شأوه فرجعوا منكوسي الاعلام، حامل لواء الفتيا، ومالك أزمَّة المنقول والمعقول من غير شرط ولا ثنيا، لما يمتلكه من ملكة فقهية عالمة، ولما منحه الله عز وجل له من قوة الاستحضار للفروع الفقهية، والتأصيل للمسائل بدون الرجوع إلى مظانها،  فقد بدأ حفظه لكتاب الله على أبيه بقريته، ولم يلبث كثيرا أن شد رحله إلى قبيلة دمسيرة لينهل من معين أبرز شيوخ عصره، العلامة الفذ، والفقيه المسنِد سيدي سعيد بلواح الدمسيري في سنة 1260هجرية

▪︎ هذا الشيخ كما يذكر أهل التراجم، يعد من التلاميذ السبعة الذين فاقوا أقرانهم تحصيلا وفهما للعلوم الشرعية،  ومن نجباء مدرسة تمكلشت العتيقة التي تخرج منها جم غفير من الفقهاء، وقد تزامن تواجده بالمدرسة  العلمية العتيقة بأسراتوا، خِلاًّ وفيا له، وصديقا مخلصا وحنونا  ألا وهو مؤسس زاوية تالمست العامرة –سيدي الحسين ايت ييهي-صاحب المنفرجة المعروفة والقصائد الرنانة، أديب فذ لا نظير له في النثر ولا النظم – رحمه الله- 

فكان سيدي محمد بن إبراهيم السباعي ممن حظي بالتلمذة على هذا الفقيه الرباني الكبير الذي ينتمي إلى القرن الثاني عشر الهجري، فأتم عليه حفظ القرآن الكريم وبعض المتون الشرعية، فالتحق بعد ذلك بجامع ابن يوسف، فأخذ على علمائها الكبار، ليحط رحله بجامع القرويين، حتى  درس كل الفنون، وفاق أقرانه تحصيلا وفهما، فتصدر للتدريس بجامع ابن يوسف زمنا طويلا، وكان يطلق عليه شيخ الجماعة في زمنه، ومفتي الديار المراكشية في عصره، وقد قال عنه الزركلي 5 \ 305  وهو مؤرخ أصولي لغوي ، انتهت إليه رئاسة الفتوى بمراكش ، وكان دينينا نزيها، يكره الرياء،

 وقد قال عنه  صاحب "الإعلام بمن حل مراكش من الأعلام"  وهو من تلامذته، إذ لو جمعت فتاواه لفاقت المعيار المعرب للونشريسي، لكن من قوة استحضاره للدليل، وتأصيله للمسائل، لا يحتاج إلى استنساخ فتوى أو كتابتها ليتم الرجوع إليها، فضاعت جل فتاويه – رحمه الله-  

من الذين أجازوه من شيوخه 

- الشريف الجليل العلامة الحافظ مولاي الصادق العلوي دفين روضة  مولاي علي الشريف بمراكش 

- وشيخ الجماعة سيدي أحمد المرنيسي المتوفى سنة 1277 

- والشيخ الفقيه العلامة ذو القريحة الوقادة، سيدي الحاج محمد بن المدني كنون أخذ عنه صحيح البخاري عن آخره درسا، والشفاء للقاضي عياض  .

- العلامة سيدي الحاج عمر ابن سودة أخذ عنه جميع البخاري سردا

- سيدي محمد بن عبد الرحمان الفيلالي المتوفى سنة 1275 .


هكذا كانت أرض شيشاوة العامرة دهرا طويلا ، وقد شهدت عليها المدارس العلمية العتيقة التي أسسها فقهاء كبار، وأدباء أبرار، وشعراء أخيار، فدامت هذه الحاضرة العلمية قرنا من الزمان مليئة بالعلم والتحصيل، تضاهي سوس العالمة  بعلمائها. وكانت قبلة المؤرخين والنوازليين، يقصدها الظمآن فترويه، والعليل والسقيم فتكسوه حلة العلم وجماله، ولقد استمر العطاء في هذه الأرضية  منذ القرن الخامس زمن عبد السلام الصودي الجدميوي الفرضي نزيل الإسكندرية   مرورا بالقرن التاسع، عصر العلامة الفهامة الأصولي الدراكة  سيدي حسين بن علي بن طلحة الشوشاوي  الرجراجي،  إلى بداية تأسيس أول زاوية علمية بالمنطقة وهو زاوية أستيف،

 إذ تعد هذه الزاوية رباط علم في المنطقة، بعدها جاءت مدرسة الأم الزاوية النحلية التي تربع على عرشها ثلة من الفقهاء البررة خريج زاوية تمكلشت، فكان لهذا التنوع المعرفي والعلمي أثر بارز في إبراز الثقافة الفكرية وامتدداها عبر العصور، ولا شك أن هذا العصر هو عصر ازدهار المعرفة بتربة شيشاوة، فتوالتها مدارس وزوايا عامرة في كل أرجاء شيشاوة أينما تول وجهك تلق الحناجر تصدح بكتاب الله، وبحفظ المتون الشرعية ودراستها وتدريسها.

وللقطر قاطبة أمل في المؤسسة الدينية والعلمية بالمنطقة، والتي يشرف عليها أحد أبناء المنطقة البررة، والغيورين على هذا القطاع أن يعيد لها مجدها وشموخها كما كانت في زمن سلف ومضى. 

#بقلم_الباحث_الدكتور:رشيد اليزيدي 

#رشيد_اليزيدي حاصل على دكتوراة في تخصص الفقه وأصوله بجامعة القاضي عياض بمراكش مهتم بتراث المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا