وقفات مع حديث: ذهب أهل الدثور بالأجور - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وقفات مع حديث: ذهب أهل الدثور بالأجور

          

إعداد فضيلة الأستاذ : محمد زراك إمام وخطيب ومشرف على مدرسة عتيقة بتارودانت. الجمعة 20 ربيع الآخر 1443هـ الموافق لـ 26 نوفمبر 2021م وللمزيد من خطبه من هنا

الحمد لله الذي ملأ بذكره ألسنة الذاكرين وزينها، ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة وأعلاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل ربا وتعالى إلها، سبحانه وتعالى سهل لعباده طرق الخير ويسرها، وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله خاتمُ النبوءات والرسالات وآخرُها، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وأرشدها، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يتنافسون في أمور الآخرة وأعمالها، وعلى من تبعهم بإحسان إلى نهاية الدنيا وما فيها.{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

أما بعد: فيا معشر المؤمنين والمؤمنات؛

إننا إذا نظرنا إلى حالنا في الدنيا، نرى أن الانسان يتنافس فيها ويتسابق إلى جمع أموالها ومتاعها، فإذا رأى من ملك فيها أكثر منه أصابه الحزن والحسرة، وأما إذا رأى من فاته في أمور الآخرة بالصفوف الأولى في المسجد، أو فاته بحفظ القران أو وفاته بمكارم الأخلاق أو بالاحسان إلى المحتاجين، كان وكأن شيئا لم يحدث، وهذا فرق من الفوارق التي بيننا وبين الصحابة الكرام، الذين كانوا يتنافسون في أمور الاخرة وأعمالها، 

فقد جلس الفقراء يقارنون أعمالهم بأعمال الأغنياء، فرأوا أن الأغنياء قد سبقوهم بالكثير والكثير لأنهم يطعمون وينفقون ويتصدقون، وأنى للفقراء أن يصلوهم! فحزنوا لذلك وجاؤوا إلى رسول الله  فقالوا يَا رَسُولَ اللهِ : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ؛

 قَالَ: " أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»  فأرشدهم النبي   إلى ثلاثة أعمال لو حافظوا عليها فإنها تكتب لهم حسنات وصدقات عند الله تعالى.

فأما العمل الأول: فذكر الله تعالى من قول : سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله، ولو تأملتم هذه الأذكار فهي نفس الأذكار التي تقال بعد الانتهاء من صلاة الفريضة، ومن الأحاديث التي تبين فضلها قول رسول الله : «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال: تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»  الله أكبر!

ومع هذا الفضل إلا أن كثيرا من الناس بعد الصلاة يقومون مسرعين، وكأنهم ليسوا في حاجة لمغفرة الله تعالى، فلابد أن نجعل نصيبا من أوقاتنا لذكر الله، لأن ذكر الله حياة القلوب، وذخر لنا عند علام الغيوب.

وأما العمل الثاني فهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبهما ينتشر في المجتمع الصلاح والمحاسن والفضائل، ويقل الفساد والمساوئ والرذائل، فإذا رأى المسلم أخاه على معصية، فإنه يسعى إلى نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، فلعل الله يهديه على يديه؛

 فقد مر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  على جماعة من الناس وفيهم شاب حسنَ الصوت يغني لهم ، فقال له ابن مسعود يا غلامُ: لو كان ما يُسمَعُ مِن حُسنِ صوتِكَ بقراءة القرآن لكان خيرا، فتأثر بهذا الكلام وندم، وترك الغناء ورفقاء السوء، ولازم ابن مسعود يتعلم منه القران والحديث حتى صار إمام عالما محدثا، أتدرون ما اسم هذا العالم؟ إنه زاذان أبو عُمَر الكِنْديّ الكوفي ، سبحان الله سبحان الذي حوله من حياة الغناء والضلالة، إلى حياة العلم والاستقامة، وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى جعل في كل مجتمع أناسا مصلحين يامرون بالمعروف وينهون عن المكر ويعلمون الناس أمور دينهم ليسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

وأما العمل الثالث؛ فهو تحويل العادات إلى عبادات فالعادات اليومية التي يقوم بها المسلم في حياته من طعام وشراب ونوم ومعاشرة زوجية وسفر بإمكانه أن يحوِّلها إلى عبادات، ينال من ورائها الحسنات، إذا أحسن القصد والنيات. فإذا عاشر الزوج زوجته بنية وضع شهوته في الحلال، ونية طلب الولد الصالح فله بتلك المعاشرة الأجر عند الله تعالى.

وإذا أكل وشرب وحرَص أن يكون طعامه وشرابه من الحلال، ونوى أن يَقْوَى على طاعة الله وعبادته فله الأجر عند الله.

وإذا خرج في الصباح إلى عمله أو وظيفته أو حرفته أو تجارته ونوى أن يكسب رزقه من حلال، وأن يعف نفسه عن مهانة الحاجة وذل السؤال، فله أجر عند الله المتعال، فالمؤمن بنيته الحسنة يستطيع أن يحول كل حركة في حياته وكل خطوة، إلى صدقة وحسنة.

أيها المؤمنون: لما سمع فقراء الصحابة هذه الصدقات رجعوا إلى بيوتهم فرحين بما يسر الله لهم من طرق الخير وسهَّلها، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين اجمعين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

وبعد: عباد الله؛ أصل هذه الخطبة حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه ، وهناك رواية أخرى للإمام مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء فيها أن الفقراء رجعوا مرة ثانية إلى رسول الله  

فقالوا له:« سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال لهم رسول الله  «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» لأن أعمال البر غالبا لا تفتح للإنسان الواحد جميعَها، قد يٌفتح له في باب الصلاة ويحرم من الصدقة، قد يفتح له في باب العلم ولم يوفَّق للذكر الإنفاق، وهكذا، كتب عبد الله بن عبد العزيز العمري إلى الإمام مالك يأمره بالانفراد والعمل، وترك مجالس العلم، فكتب إليه مالك: أن الله عز وجل قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في نشر العلم، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه...وأرجو أن يكون كلانا على خير،  فمن فُتح له في باب من الطاعات فهو على خير إن شاء الله، ومن فُتح له في جميع الأبواب فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

هذا وأكثروا من هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 

 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللهم اجعلنا يوم الفزع الاكبر من الامنين ولحوض نبيك من الواردين ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين وعن النار مزحزحين، والى اعلى جناتك سابقين،والى وجهك الكريم من الناظرين..

اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا