اهمية صلاة الجمعة في اول خطبة بعدفتح المساجد الفقيه بنطاهر
ثلاثون جمعة تعطلت فيها الخطبة التي تعد مجلة أسبوعية وتوقفت عن الإصدار، وقد أسسها لنا رسول اللهﷺ لتعالج الأحداث التي يعيشها المسلم طيلة الأسبوع، فتبين له الفضائل ليتحلى بها، والرذائل ليتخلى عنها؛ فهل عرفنا قيمة خطبة الجمعة؟
"أهلا بعودة خطبة الجمعة بعد ثلاثين جمعة من غير خطبة بسبب كورونا"
فضيلة الفقيه : عبدالله بنطاهر
الحمد لله الملك العلام، جعل يوم الجمعة سيد الأيام، فقدمه هدية خاصة بأمة الإسلام. وأشهد أن لا إله إلى الله ذو الجلال والإكرام، سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا ينام. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، دعا إلى شريعة تطهر الأرواح والأجسام، فنال عند الله مراتب الإحسان والإكرام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان مادامت الأيام والأعوام.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
أهلا بنفحات الجمعة بعد طول غياب وطول انتظار، أهلا بالخطبة التي تزرع فينا كل أسبوع منابت الأسرار، أهلا بالخطبة التي تصلح ما انتشر فينا طيلة الأسبوع من الشرور والأشرار، أهلا برواد المساجد الأبرار، أهلا بعمار بيوت الله من الأحباب الأخيار.
قيمة الأشياء الجميلة المفيدة لا نشعر بها غالبا إلا عند فقدانها، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، والمسلم إذا عرف قيمة شيء اعتنى به ليحافظ عليه
إنها ثلاثون جمعة حال بيننا وبينها هذا الوباء فهل عرفنا قيمة الجمعة؟
ثلاثون جمعة حرمنا فيها من السعي لصلاة الجمعة الذي فرضه الله سبحانه إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ فعند النداء يجب السعي ويحرم البيع كما تحرم بقية العقود؛ فهل عرفنا قيمة السعي للجمعة؟
ثلاثون جمعة تعطلت فيها الخطبة التي تعد مجلة أسبوعية وتوقفت عن الإصدار، وقد أسسها لنا رسول اللهﷺ لتعالج الأحداث التي يعيشها المسلم طيلة الأسبوع، فتبين له الفضائل ليتحلى بها، والرذائل ليتخلى عنها؛ فهل عرفنا قيمة خطبة الجمعة؟
إن الإسلام يريد من المؤمنين أن يتذكروا فتنفعهم الذكرى، يريد منهم أن يتناصحوا فيما بينهم، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يتواصوا بالمرحمة والحق والصبر، يريد لهم أن يستعرضوا مشاكلهم الأسبوعية، فيبحث لها عن حلول شرعية، يريد لهم عقد اجتماعات أسبوعية يستمعون فيها لمشاكلهم فيتعلمون حلولها، يريد لهم أن يتعلموا أمور دينهم ليمارسوا على مقتضاها أمور دنياهم، يريد لهم النظافة الحسية والمعنوية يريد لهم أن يكونوا على اتصال دائم بخالقهم عز وجل، وأن يستمر تجديد الإيمان في قلوبهم.
أتدرون -أيها الإخوة في الله- ما الذي شرعه الإسلام ليؤدي هذه المهمة وليحقق هذا المبتغى؟ إنه يوم الجمعة بخطبته التي لا تصح صلاة الجمعة إلا بها، والتي تعد من خصائص الإسلام، والتي تجدد الإيمان في قلوب المؤمنين كلما ران عليها ما كانوا يكسبون، إنها الخطبة التي تدل دلالة واضحة على أن الإسلام ليس طقوسا وعبادات؛ بل عبادة ومعاملات، إنها لم تشرع لتبين للناس كيف يعبدون وكفى؛ بل لتصلح مجتمعهم من براثين الفسق وأدران المنكر.
إن يوم الجمعة ليس يوما لمجرد اللقاء؛ بل لقد شرع لنا الإسلام فيه آدابا وسننا تجعل دوره في الإصلاح كبيرا، فآداب الجمعة عبادات تترك آثارها في النفوس، فتطهر مظهر المسلم ومخبره، وتصلح قلب المسلم وقالبه، فيوم الجمعة عيد الأسبوع، بل هو مدرسة تربوية يجلس المسلم في فصلها الدراسي الذي عقده معلم الأمة الأولﷺ، فيتعلم ويعلم.
فعندما تستيقظ -أيها الأخ المسلم- يوم الجمعة، عندما تلمس شغافَ قلبك المرهف بنفحات الإيمان نسماتُ الجمعة ونفحاتُه، تحمد الله تعالى وتشكره حين جعل من عمرك هذا اليوم المبارك، فتملأه بالدعاء والتضرع، وتكثر فيه من الصلاة على رسول اللهﷺ روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن النبيﷺ قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وهو عند الله يوم المزيد، كذلك تسميه الملائكة في السماء، وهو يوم النظر إلى الله تعالى في الجنة». وروى البيهقي أن النبيﷺ قال: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة» وروى الإمام مسلم أنهﷺ قال: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه».
وبعد ذلك -يا عبد الله- تطهر جسدك ومظهرك ثم تضع ما لديك من الروائح الطيبة؛ لأن يوم الجمعة هو يوم الطهارة والنظافة، قال رسول اللهﷺ: «حق على كل مسلم أن يغتسل كل جمعة يغسل رأسه وبدنه». وقالﷺ فيما روى ابن ماجه: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان له طيب فليمس منه وعليكم بالسواك». والنظافة هدف أسمى للإسلام يجب على المسلم أن يكون نظيفا طيلة الأسبوع كله، فهي ليست مشروعة في الجمعة فحسب، ولا يوجد وقاية لحد الآن ضد وباء "كورونا" أنجع وأنفع من النظافة.
وبعد الغسل والنظافة تتوجه -يا عبد الله- إلى الجمعة فإذا كنت في المسجد والإمام يخطب كن على حذر لا تتكلم ولا تشوش على أحد ولو بالإشارة؛ بل يجب عليك أن تسكت وتنصت للخطبة وتذكر أن من لغى فلا جمعة له. كما يجب عليك أن تجلس حيث انتهت الصفوف؛ فقد روى ابن ماجه أن النبيﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة وتطهر فأحسن طهوره، ولبس من أحسن ثيابه، ومس ما كتب الله من طيب أهله، ثم أتى الجمعة ولم يلغ، ولم يفرق بين اثنين، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخيرة».
ودور الخطبة في الإصلاح وتجديد الإيمان كبير، فهي مجلة إسلامية أسسها الرسولﷺ لينشد فيها المسلم الحلول لمشاكله، تستعرض واقعه المعيش، وتعرض مجتمعه على ميزان شرع الله سبحانه، في لقاء مبارك بين المؤمنين، واللقاء لقاح القلوب والنفوس بمادة الإيمان، ولا يتحقق هذا اللقاح إلا عن طريق التوعية والإرشاد، ولهذا شرع الإسلام الخطبة في لقاءات المؤمنين الشرعية: في اللقاء الأسبوعي لأهل الحي يوم الجمعة، وفي اللقاء الدوري لأهل المدينة في عيدي الفطر والأضحى، وفي اللقاء السنوي للأمة كلها في عرفات الله.
وبعد الانتهاء من الخطبة تتقدم -أيها الأخ المسلم- للصلاة وأنت تعلم أن الصلاة هي عماد الدين ودورها في الإصلاح بينه الله تعالى إذ قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، والصلاة هي راحة المؤمن على كل حال، وقد كان النبيﷺ عندما يرى العياء يتسرب إلى أصحابه في أسفاره يقول لمؤذنه الرسمي بلال: «أرحنا بها يا بلال».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛
إن هذا الوباء في الحقيقة هو مدرسة نتعلم منها أمورا كثيرة منها:
أولا: نتعلم أن هذا الإنسان مهما أوتي من بسطة في العلم والجسم لا يعدو أن يكون مجرد مخلوق ضعيف، فقد تقدم الطب إلى أعلى مستوياته ولكنه هزم بأصغر مخلوقات الله تعالى؛ فتوقف بسببه كل شيء الاقتصاد والتعليم والصحة والمساجد وصلة الأرحام.
ثانيا: نتعلم أنه لا ملجأ لنا ولا منجى من الله تعالى إلا إليه؛ فيجب أن نُخْلِص له في العبادات، كما يجب أن نُخَلِّص معاملاتنا مما يشوبها ويعكر صفوها من محرمات الأموال ومحرمات الأفعال؛ فلا نجاة لنا مع النفاق في العبادات، ولا مع الفسوق في المعاملات.
ثالثا: نتعلم كم كان يحب المسلمون مساجدهم؛ ففي كل يوم تحمل إلينا المواقع الاجتماعية المناشدات من أجل عودة الجمعات والجماعات؛ فهي أحب البقاع إلى الله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}.
رابعا: يجب الحذر من الكسل الذي ألفناه في فترة هذا الوباء؛ فلا بد من المحافظة على الصلاة فهي عماد الدين، مع الأخذ بالإجراءات الوقائية من التباعد بين الصفوف، واجتناب التصافح بالأيدي، فالتباعد بين الصفوف لا يبطل الصلاة.
خامسا: يجب أن نكثر من الدعاء؛ فالدعاء سلاح المؤمن، به يدفع البلاء، وبه يرد شر القضاء، ولا شيء أكرم على الله من الدعاء؛ لأنه استعانة من عاجز ضعيف بالقوي اللطيف، واستغاثة من عبد ملهوف برب رحيم رؤوف، ليزيل العلة، ويرفع المحنة، ويكشف الغمة؛ فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وقال سبحانه: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، وقال النبيﷺ: «الدعاء سلاح المؤمن...»، وقالﷺ: «إن الدعاء هو العبادة»، وفي رواية: «الدعاء مخ العبادة».
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا