في ذكرى زواجه ﷺ بأم المومنين عائشة رضي الله عنهاأستاذة التربية ج2 - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

في ذكرى زواجه ﷺ بأم المومنين عائشة رضي الله عنهاأستاذة التربية ج2


بقلم فضيلة الفقيه عبدالله بن طاهر
 صاحبته في الأسفار فكانت سببا في نزول تشريعات ربانية انتفع بها المسلمون على مدى الأزمنة وامتداد الأمكنة؛ منها: رخصة التيمم التي نزل القرآن بسببها، حتى قال عنها أحد نقباء الأنصاري الصحابي أسيد بن حضير -رضي الله عنه-: «جزاكِ الله خيرا؛ فواللهِ ما نزل بكِ أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة، وما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر».
ولم يقتصر الاعتراف بشرفها على الإنس فقط؛ بل اعترفت بها الملائكة؛ فهذا قائد الملائكة جبريل عليه السلام؛ روى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال لها ذات يوم: «يا عائِش؛ هذا جبريل يُقْرِئُكِ السلام. 
"أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أستاذة التربية والتعليم الأعلى"
في ذكرى زواجها رضي الله عنها في شوال برسول اللهﷺ، وفي إطار الدعوة للدفاع عنهﷺ  بالعودة لسيرته العطرة مدارسة وممارسة.

الحمد لله الذي أكرم أزواج النبيﷺ وخصوصا منهن أم المؤمنين عائشة؛ إذ نالت من قلب الحبيب المصطفىﷺ العلم النافع والحب الخالص وروحَ البشاشة، فجَيَّشَتْ الشعور والإحساس عبر القرون من أجل الاستقاء من بحر علومها في نفوس المؤمنين الجيَّاشة، ومن أجل استفتاء فقهها لضبط المشاكل الواقعة الطائشة، وأشهد أن لا إلـه إلا الله شهادة تطهر ألسنتنا من أسباب الفسوق وسِباب الفاحشة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من أغاث البطون الجائعة والعاطشة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما دامت العيون ناظرة والجفون رامشة.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي ألا بتقوى الله وطاعته.
قد منا لكم في الجمعة الماضية أن الرد على من يسب النبيﷺ لا ينفع ولا يجدي إذا كان مجرد سِباب وشِتام، أو دعوةً إلى القتل والإعدام، حتى لا نكون في مستواهم في الدرك الأسفل من سوء الأخلاق والسقام؛ والله تعالى يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ فليس ذلك من أخلاق النبيﷺ؛ فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: قال: «لم يكن رسول اللهﷺ فَاحِشاً، وَلا مُتَفَحِّشاً». وفي رواية: «ولا سَبَّاباً، ولا لاعِناً». وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول اللهﷺ قال: «إنما بُعِثْتُ رحمة، ولم أُبعَثْ لعّاناً»، وقد تعلمنا منهﷺ في مدرسة الصيام حين قال: «وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم»؛ والصيام مشروع طيلة السنة كلها؛ فقد كانﷺ يستعد لرمضان بصيام شعبان، كما كان يحث على صيام ست من شوال.
وإن أفضل رد عملي وعلمي هو الدعوة للعودة لتعلم السيرة النبوية، لنعيش معها في قلوبنا وفي معاملاتنا مدارسة وممارسة؛ ومن أجل ذلك قمنا بإطلالة من نافدة هذا الشهر شوال على هذه السيرة العطرة فوجدناه قد حمل إلينا منها في طياته أحداثا عظيمة؛ ففيه تزوج الرسولﷺ بزوجتيه: عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وفيه وقعت من غزواتهﷺ: غزوة أحد، وغزوة بني قينقاع، وغزوة الأحزاب، وغزوة حنين. 
وقد حصصنا خطبة الجمعة الماضية بمراحل حياة النبيﷺ الزوجية، فتعلمنا أنهﷺ لم يتزوج إلا بعد أن بلغ خمسا وعشرين سنة، ولم يتزوج أكثر من واحدة حتى بلغ ثلاثا وخمسين سنة، ولكل واحدة من زوجاتهﷺ سبب خاص من الأسباب الاجتماعية والدينية.
 واليوم نكشف الستار عن زواجهﷺ في شوال بعائشة رضي الله عنها: 

أولا: التأصيل للذكرى؛ روى الإمام مسلم والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «تزوَّجني رسول اللهﷺ في شوال، ودخل بي في شوال؛ فأيُّ نسائه كان أحظى عنده منِّي؟ وكانت عائشة تَسْتَحِبُّ أن تُدخِل نساءها في شوال»؛ أي: أن تُزَوِّجَ نساء عائلتها في شوال؛ ولهذا كان الزواج في شوال مستحبا عند العلماء؛ وخاصة علماء المالكية والسافعية(1). 

ثانيا السيدة الأولى في بيت النبوة؛ عائشة رضي الله عنها هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولدت في مكة وتزوج بها النبيﷺ وهي صغيرة، فعاشت معه تسع سنوات الأيامَ بحلاوتها وطلاوتها في السراء والضراء، تبادله المودة والرحمة، وتوفر له الراحة والطمأنينة والسكينة؛ قال الذهبي: "لم يتزوجِ النبيﷺ بكرا غيرها، ولا أَحَبَّ امرأة مثل حبها".
صاحبته في الأسفار فكانت سببا في نزول تشريعات ربانية انتفع بها المسلمون على مدى الأزمنة وامتداد الأمكنة؛ منها: رخصة التيمم التي نزل القرآن بسببها، حتى قال عنها أحد نقباء الأنصاري الصحابي أسيد بن حضير -رضي الله عنه-: «جزاكِ الله خيرا؛ فواللهِ ما نزل بكِ أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة، وما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر».
ولم يقتصر الاعتراف بشرفها على الإنس فقط؛ بل اعترفت بها الملائكة؛ فهذا قائد الملائكة جبريل عليه السلام؛ روى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال لها ذات يوم: «يا عائِش؛ هذا جبريل يُقْرِئُكِ السلام.
بل تكريمها لم يقتصر على أكرم المخلوقات فقط؛ بل كرمها ورفع من شأنها رب العالمين؛ فكانت تبرئتها قرآنا يتلى على امتداد العصور والأزمان؛ فهي المقصودة بقول الله تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.

ثالثا: أمنا عائشة رضي الله عنها طالبة علم؛ قد وهبها الله تعالى عقلا راجحا، وذكاء وقَّادا، وفطنة يقظة، وسرعة فهم وقوة حافظة؛ قال الإمام المؤرخ المفسر ابن كثير: "لم يكن في الأمم مثل عائشة في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها"؛ كانت تسأل النبيﷺ وهو معلمها المربي بإلحاح، وتراقب أحواله في العادات وفي العبادات عن كثب، فتسَجِّل ما فهمت، وتساجل فيما لم تفهم حتى تفهم، فتحفظ وتحافظ وتستوعب نصوص الوحيين من القرآن والسنة نظريا وتطبيقيا، وكان لها مصحف خاص يسمى: "مصحف عائشة" تسجل فيه تفسيراتها وتأويلاتها؛ هكذا كانت مثالا نموذجيا للزوجة الوفية، ولطالبة العلم الملحة؛ حتى توفي النبيﷺ وهو راض عنها، فتخرجت من مدرسة النبيﷺ وهي بنت ثمان عشرة سنة، توفي في يومها بين نسائه في بيتها، وفي حضنها بين سَحْرِها ونَحْرها، ودُفِن في حجرتها وهو إلى اليوم فيها.

ثالثا: أمنا عائشة -رضي الله عنها- أستاذة التعليم الأعلى في الإسلام؛ فإذا كان الأستاذ اليوم يعتز بكونه أستاذ التعليم العالي في المدارسة فقط؛ فإن عائشة -رضي الله عنها- هي أستاذة التربية قبل التعليم، وأستاذة التعليم الأعلى في المدارسة  والممارسة معا، أستاذة الأجيال في خير الأجيال بخير القرون؛ لقد عاشت بعد النبيﷺ -تقريبا- تسعا وأربعين سنة، تنشر العلم النافع والحديث الصحيح؛ فكانت مرجع الصحابة والتابعين في أمهات المهمات، توجه إلى الصواب وتصحح الأخطاء، يسألونها في الأمور الخاصة فيأخذون بفتواها، ويستشيرونها في الأمور العامة فيعملون بمشورتها. 
قال عنها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو كانت امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة"، وقال أبو موسى الأشعري: "ما أشكل على أصحاب رسول اللهﷺ شيء فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"، وقال: "لا أسأل عنه أحدا بعدها"، وهذا أحد طلبتها الإمام التابعي مسروق بن الأجدع الكوفي وقد سئل: هل كانت تُحْسِن عائشة الفرائض (علم الميراث)؟ فقال: "لقد رأيت أصحاب محمدﷺ يسألونها عن الفرائض"؛ فساق الجواب بالدليل؛ فإذا كان الصحابة يسألونها عن علم الميراث فإن ذلك يدل على أنها أفقه منهم فيه.
لقد أتقنت العلوم الشرعية واللغوية والأدبية والطبية حسب مستوى الطب في وقتها؛ قال عنها ابن أختها عروة بن الزبير: «ما رأيتُ أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها، وقال فيها عالم الأندلس ابن عبد البر: "إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه، وعلم الطب، وعلم الشعر"، وقال الإمام المحدث الذهبي: عنها: "أفقه نساء الأمة على الإطلاق"، "ولا أعلم في أمة محمدﷺ؛ بل ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها".

رابعا: تُوفِّيت أمنا عائشة -رضي الله عنها وأرْضاها- ليلة الثلاثاء (17 رمضان سنة 58 وقيل: 57هـ)، بعد عمر علمي دام سبعا وستين سنة، فصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع وقبرها معروف إلى اليوم؛ قال عنها أبو عمران موسى بن محمد المعروف بالواعظ أحد شعراء الأندلس في قصيدته المشهورة في ست وخمسين بيتا في مناقبها، وهو يدافع عنها ضد طغاة الشيعة الفاطميين في القرن السادس الهجري، وأعيدها اليوم ضد غلاة الشيعة الصفويين في القرن الرابع عشر الهجري؛ قال على لسانها:
ما شَأنُ أُمِّ المُؤْمِنِيــــنَ وَشَـأنِي* هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَـلَّ الشَّانِي*
إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَــــــنْ فَضْلِـها* ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِهــــا بِلِسَـانِي:*
يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّــــدٍ* فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكــــــانُ مَكانِي*
إِنِّي خُصِّصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ* بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعــــــــــانِي*
وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِـــــلِ كُلِّــها* فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَـــــانُ عِنَانِي*
مَرِضَ النّبِيُّ وَمَاتَ بَيْنَ تَرَائِبِــي* اليومُ يومي والزمانُ زمانـــــــي*
زَوْجِــي رسولُ الله لم أرَ غيــرَه* اللهُ زَوَّجَنِـــــي بـــــه وحَبَانِــــي*
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِيـــنُ بِصُورَتِـي* فَأَحَبَّــــنِي المُخْتَـــــارُ حِينَ رَآنِي*
وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيـمُ بِحُجَّــــــــــــتِي* وَبَرَاءَتِي في مُحْكَــمِ القُـــــــــرآنِ*
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْـــــــدَ مُحَمَّدٍ* مِن جِبْرَئِيلَ ونُــــــورُهُ يَغْشــــانِي*
أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْـتَ ثِيـــــــابِهِ* فَحَــــــنا عليَّ بِثَوْبِــــهِ خَبَّــــــاني*
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْـ،ـبَتِي * ومُحَمَّـــــدٌ في حِجْــــــرِهِ رَبَّــاني؟*
إنِّي لَطَيِّبَـــةٌ خُلِقْــــــــــــتُ لِطَيِّبٍ * ونِسَاءُ أَحْمَـــــــدَ أَطْيَـــبُ النِّسْوَانِ*
إنِّي لأُمُّ المُؤْمِنِيـــنَ فَمَنْ أَبَـــــــى * حُبِّي فَسَــــوْفَ يَبُوءُ بالخُسْـــــرَانِ*
اللهُ حَبَّبَــــنِي لِقَلْــــــــــــــــبِ نَبِيِّهِ * وإلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيـــــــمِ هَدَانِي*
واللهُ يُكْـــــــرِمُ مَـــنْ أَرَادَ كَرَامَتِي * ويُهِيــــــــنُ رَبِّي مَنْ أَرَادَ هَـــوَانِي*
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
 
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ 
أمنا عائشة -رضي الله عنها- بلغة الأرقام: 
تزوج بها النبيﷺ وهي بنت تسع (9 سنين)، وعاشت معه تسع (9 سنوات)، وتوفيﷺ عنها وعمرها ثمان عشرة (18 سنة)، فعاشت بعده تسعا وأربعين (49سنة)، وتوفيت وعمرها سبع وستون (67 سنة).
وإجمالي عدد الأحاديث المروية عن زوجات الرسولﷺ فاقت ثلاثة آلاف حديث (3000)، كان نصيب أمنا عائشة منها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث: (2210)؛ وبذلك سجلت نفسها ضمن السبعة الأوائل المكثرين من رواية الحديث النبوي، وهي منهم في المرتبة الرابعة:
في المقدمة أبو هريرة (5374 حديثا)، ثم عبد الله بن عمر (2630 حديثا)، ثم أنس بن مالك (2286 حديثا)، ثم أم المؤمنين عائشة (2210 حديثا)، ثم عبد الله بن عباس (1660 حديثا)، ثم جابر بن عبد الله (1540 حديثا)، ثم أبو سعيد الخدري (1170 حديثا)(2)؛ وجمعهم من قال:
وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ* أَبُو هُرَيْرَة يَلِيهِ ابْنُ عُمَــــرْ*
فَأَنَــــسٌ فَزَوْجَـــــــــةُ النَّبِيِّ* وَجَابِـر وَالْحَبْرُ كَالْخُــــدْرِيِّ*
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …


هذه الخطبة انجزت ونحن في الحجر الصحي
وهي بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يختصرها، أو يقتصر على بعضها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
ودعواتكم رأس مالي ورصيد اعتمادي
613شوال1441هـ 5 / 6 / 2020م. 
خادمكم عبد الله بنطاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مواهب الجليل للحطاب: (3/408)، وتوضيح الأحكام شرح تحفة الحكام لعثمان التوزري: (2/10)، وأسنى المطالب لزكرياء الأنصاري: (3/108)، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي: (7/216).
(2) تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي: (ص: 263)، والتقريب والتيسير للنووي: (ص: 93)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: (7/352)، وتدريب الراوي للسيوطي: (2/675 -677).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا