مراحل حياة النبيﷺ الزوجية في ذكرى زواجه بعائشة ج1
بقلم فضيلة الفقيه: عبدالله بن طاهر
إن أفضل رد عملي وعلمي على من يسيء للرسولﷺ هو العودة لتعلم السيرة النبوية لنعيش معها مدارسة وممارسة.ومن أجل هذا قمنا بإطلالة من نافذة هذا الشهر شوال الشهر على هذه السيرة العطرة فوجدناه قد حمل إلينا في طياته أحداثا عظيمة من السيرة النبوية: ففيه تزوج الرسولﷺ بعائشة وبأم سلمة، وفيه وقعت من غزوات النبيﷺ غزوة أحد، وغزوة بني قينقاع، وغزوة الأحزاب، وغزوة حنين؛ وقد حصصنا خطبة الجمعة الماضية بذكرى غزوة أحد، فاستفدنا دروسا من إدارة المصطفىﷺ لهذه المعركة، ثم وظفنا هذه الدروس في إدارة المعركة مع "كورونا"؛ لأن أسلحة المواجهة في إدارة المعارك واحدة.واليوم في إطار العودة لهذه السيرة العطرة نكشف الستار عن الزواج في حياة النبيﷺ بمناسبة ذكرى زواجهﷺ بعائشة وبأم سلمة، وخصوصا أن شبهات الأعداء والأدعياء إنما تأتيه من هذه النافذة، وبتتبع مراحل حياته الزوجيةﷺ نستكشف الحقائق التي ترد على ترهات هؤلاء البيادق:
في ذكرى زواجه(1) بعائشة وبأم سلمة رضي الله عنهما في شوال
وفي إطار الدعوة للدفاع عنهﷺ بالعودة لسيرته العطرة مدارسة وممارسة.
الحمد لله الذي أحل الزواج والنكاح، وحرم البغاء والسفاح. ونشهد أن لا إلـه إلا الله جعل لنا سيرة المصطفى مصدر الفوز والفلاح، إذ هي ضد كل قبيح مناعة ودفاع وسلاح. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله تعطر الكون بسيرته وفاح، فكان الاقتداء به في الدنيا مصحوبا بالنجاح، وفي الآخرة مقرونا بالثواب ومضاعفة الأرباح؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما ظهر النهار في الأفق ولاح.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي ألا بتقوى الله وطاعته.
قد منا لكم في الجمعة الماضية أن أفضل رد عملي وعلمي على من يسيء للرسولﷺ هو العودة لتعلم السيرة النبوية لنعيش معها مدارسة وممارسة.
ومن أجل هذا قمنا بإطلالة من نافذة هذا الشهر شوال الشهر على هذه السيرة العطرة فوجدناه قد حمل إلينا في طياته أحداثا عظيمة من السيرة النبوية: ففيه تزوج الرسولﷺ بعائشة وبأم سلمة، وفيه وقعت من غزوات النبيﷺ غزوة أحد، وغزوة بني قينقاع، وغزوة الأحزاب، وغزوة حنين؛ وقد حصصنا خطبة الجمعة الماضية بذكرى غزوة أحد، فاستفدنا دروسا من إدارة المصطفىﷺ لهذه المعركة، ثم وظفنا هذه الدروس في إدارة المعركة مع "كورونا"؛ لأن أسلحة المواجهة في إدارة المعارك واحدة.
واليوم في إطار العودة لهذه السيرة العطرة نكشف الستار عن الزواج في حياة النبيﷺ بمناسبة ذكرى زواجهﷺ بعائشة وبأم سلمة، وخصوصا أن شبهات الأعداء والأدعياء إنما تأتيه من هذه النافذة، وبتتبع مراحل حياته الزوجيةﷺ نستكشف الحقائق التي ترد على ترهات هؤلاء البيادق:
المرحلة الأولى: منذ النشأة حتى سن الخمس والعشرين (1 - 25)؛ كانﷺ أعزب لم يتزوج، ولم يسجل عنه أنهﷺ وقع في نزوة بدافع شهوة، أو في سهرة من أجل نشوة؛ بل كان معروفا بالعفة والأمانة حتى لقب بالأمين، ومن المعلوم أن هذه الفترة هي في ذروة الشهوة ويسمونها اليوم "المراهقة"؛ وبناء على عفته المعروفة عنهﷺ طلبته أمنا خديجة -رضي الله عنها- للزواج بها بعد أن رفضت كل من تقدم إليها.
المرحلة الثانية: من سن الخمس والعشرين إلى الخمسين (25 - 50) تزوجﷺ بأمنا خديجة وعمرها أربعون سنة وهو أصغر منها بخمس عشرة سنة، ومتزوجة قبله برجلين ولها أولاد، ولم يتزوج بغيرها طيلة خمس وعشرين سنة حتى توفيت؛ وهذا يدل على أنهﷺ ليس همه قضاء وطر الشهوة.
المرحلة الثالثة: من خمسين إلى ثلاث وخمسين سنة (50 - 53) لم يتزوجﷺ إلا امرأة مسنة أرملة هي سودة بنت زمعة، أسلمت فهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، فلما رجعت إلى مكة توفي زوجها، وكانت امرأة بدينة ضخمة؛ فانفردت بهﷺ أكثر من ثلاث سنوات حتى تزوجﷺ بعائشة في شوال بعد الهجرة؛ وتعدد الزوجات في عهدهﷺ كان أمرا عاديا؛ فجل الصحابة عددوا؛ بل جل العرب، ولا شيء يمنعه من ذلك، ورغم ذلك اكتفىﷺ بواحدة حتى مضى من عمره ثلاث وخمسون سنة؛ فأين مظاهر الشهوة التي يتشدق بها غلاة المستشرقين وأذنابهم؟
المرحلة الرابعة: من اثنين وخمسين إلى ثلاث وستين سنة (53 – 63) تزوجﷺ عدة أرامل لأسباب اجتماعية ودينية
أولا: أما الأسباب الاجتماعية فمنها:
● تزوجﷺ بأم سلمة في شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعد وفاة زوجها أبي سلمة ومعها ثلاثة أولاد يتامى؛ فضمهم إليه ورباهم فكانوا من أَرِبَّائهﷺ وفضل كفالة اليتيم عظيم.
● ثم تزوجﷺ زينب بنت خزيمة الهلالية بعد استشهاد زوجها عبد الله بن جحش في غزوة أحد، وكان قائد الرماة الخمسين الذين خالفوا فنزلوا كما سبق، في الخطبة الماضية، وكان قد ذكرهم بأوامر رسول اللهﷺ فلم يسمعوا له، وبقي هو في مكانه وحده حتى أتى عليه المشركون فقتلوه رضي الله عنه. كانت تسمى "أم المساكين" لإحسانها إليهم؛ توفيت في حياتهﷺ. ولم تمت من زوجاتهﷺ في حياته إلا اثنتين: زينب بنت خزيمة، وقبلها خديجة بنت خويلد.
● ثم تزوجﷺ ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة عبد الله بن عباس وهي أرملة سنة سبع في عمرة القضاء، ثم بنى بها في مكان قرب مكة اسمه "سرف" وتوفيت في عين المكان "سرف" بعد وفاة النبيﷺ بأربعين سنة، وقبرها معروف إلى اليوم، وكل قبور أزواج النبيﷺ بالبقيع في المدينة إلا اثنتين: ميمونة فبـ"سرف"، وخديجة فبمقبرة الـمَعْلَاة بمكة.
● ثم تزوجﷺ أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة، وأبوها أبو سفيان كان قبل إسلامه من ألد أعدائهﷺ، أسلمت رغم أنف أبيها، فلما حاول منعها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة؛ ولكن زوجها ارتد عن الإسلام فتنصَّر، فلما رفضت اتباعه طلقها وزادت محنتها في الغربة؛ وهنا تمتد يد الرحمة المهداةﷺ لترفعها إلى مكانة تتمناها وتحلم بها كل مسلمة منصب "أم المؤمنين".
ثانيا: أما الأسباب الدينية فمنها:
■ من أجل بناء العلاقات بين الصحابة على أسس التشبيك العائلي تزوجﷺ بعائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنهما، ثم ببنت عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنهما، ثم زوج بنتيه رقية وأم كلثوم لعثمان ذي النورين رضى الله عنه، والبنت الثالثة لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه.
■ ثم تزوجﷺ بأم حبيبة وهي بنت عدوه قائد مكة فحقق بها هدفين: اجماعي وهو حماية أرملة كما سبق وديني، وهو الذي تحقق بعد فتح مكة وإسلام رؤسائها وعلى رأسهم صهرهﷺ أبو سفيان وزوجته هند وعائلته، فصار ابنه معاوية أحد الذين يكتبون الوحي لرسول اللهﷺ.
■ ثم تزوجﷺ بصفية وهي بنت عدوه حُيَيِّ بن أخطب من رؤساء اليهود، حتى يرتبط مع اليهود بالعلاقات الأسرية لعلهم يقبلون بالإسلام، وهم يعرفون أنه الحق كما يعرفون أبناءهم؛ وصفية من سبط نبي الله هارون وعمها موسى عليهما السلام، ولهذا لما وقع سوء تفاهم بينها وبين حفصة زوجة النبيﷺ عيرتها باليهودية؛ فدافعﷺ عنها؛ فقال للحفصة: «ألا تَتَّقِينَ الله يا حفصة؟ إنها لابنةُ نبيّ ، وإن عمَّها نبيّ، وإنها لتحت نبيّ؛ فبم تَفْخَرين عليها؟»؛ ولا يوجد شيء يكرههﷺ مثل التنابز بالألقاب، وتبادل الشتائم والسباب، وهذا ما انتشر فينا اليوم من غير دواع ولا أسباب، فشتت الأسر وفرق الأحباب.
■ ثم تزوجﷺ بجويرة بنت الحارث، وهي بنت قائد قبيلة بني المصطلق، تلك القبيلة التي تجمع الجموع للهجوم على المدينة، ولكن النبيﷺ سبق إليها بالهجوم فانتصر، وكانت جويرية من بين الأسرى، فتزوج بهاﷺ بعد أن أسلمت، فتبوأت بذلك منصب "أم المؤمنين"، كانت أسيرة فحولها هذا الزواج إلى أميرة، فكان سببا في إسلام قبيلتها كلها؛ قالت عنها أمنا عائشة: «لم أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها».
■ ثم تزوجﷺ بزينب بنت جحش الأسدية ابنة عمتهﷺ بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كانﷺ قد تبناه وكان يُدعى زيد بن محمد؛ فهدم الله بذلك عادة التبني، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}، وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}، فدُعي بعد ذلك زيد بن حارثة؛ ولذلك تولى الله تعالى تزويجها في القرآن فقال سبحانه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}، وكانت تفتخر على بقية النساء بذلك فتقول: زوجكن آباؤكن وزجني ربي. ولا بد هنا من التفريق بين التبنبي وكفالة اليتيم؛ فالتبني أن تجعله ينتسب إليك ويرث منك وترثه، أما كفالة اليتيم فقد قالﷺ فيها: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئا.
■ ثم تزوجﷺ بمارية القبطية، وهي مارية بنت شمعون، أهداها له المقوقس حاكم الإسكندرية، فولدت له ابنه إبراهيم، ولكنه توفي صغيرا وهو ابن ثمانية عشر شهرا في ربيع الأول من السنة العاشرة؛ وما زال المصريون يفتخرون إلى اليوم بأن إحدى بناتهم كانت من السيدات الأُولَيَات في الإسلام.
فهؤلاء زوجات النبيﷺ؛ ست من قريش: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وأربع من العرب: زينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، وجويرية، وميمونة، وواحدة من اليهود وهي صفية، وواحدة من مصر وهي مارية، ولم تمت من زوجاتهﷺ في حياته إلا اثنتان: زينب بنت خزيمة، وقبلها خديجة بنت خويلد. وتوفيﷺ وترك الباقيات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزَّواج بالفتح من التزويجِ: كالسلام من التسليم. والكسر فيه لغة، كالنكاح وزنا ومعنى، وحملوه على المفاعلة. من تاج العروس للزبيدي: (6/25).
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ من خلال ما سبق نتعلم ما يلي:
1) الأصل في الزواج واحدة؛ لأن النبيﷺ لم يعدد طيلة حياته حتى بلغ ثلاثا وخمسين سنة، والله تعالى يقول: {فَإِنْ خِفْتُمُ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}؛ فإن خفتم الوقوع في الظلم -وهو المتوقع اليوم- فارجعوا إلى الأصل وهو واحدة.
2) الزواج بالنبيﷺ ليس أمرا عاديا؛ بل منصب ديني ما من امرأة من المسلمات إلا وكان أمنيتها، منصب (أم المؤمنين) الذي يقول الله تعالى فيه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، وبتعبير العصر السيدة الأولى ليس في بلد معين؛ بل في الأمة كلها، وليس في زمام محدد؛ بل عبر القرون كلها.
3) كان النبيﷺ يستغل كل شيء في سبيل نشر الإسلام حتى زواجه، فقد تزوج من بنات رؤساء القبائل ليقربهم إلى الإسلام، وليخلق روابط المصاهرة بينه وبينهم، يؤلف بها قلوب القبائل لنشر الإسلام، خصوصا إذ كان من عادة العرب أن يحموا أصهارهم وأزواج بناتهم، ولهذا يسمَّوْن في اللغة بالحمو والأحماء؛ لأن القبيلة تحميهم وتدافع عنهم.
4) الاقتداء النبيﷺ في أحواله كلها واجب؛ واتباعه في أفعاله وأقواله وعاداته وعباداته مطلوب، في كيفية التعامل مع أنفسا وغيرنا خارح بيوتنا، وفي كيفية التعامل مع الأهل داخل منازلنا؛ والله تعالى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}؛ وللنبيﷺ بيت، ولكل بيت أسرار، ولكل سر أستار؛ وأسرار النبيﷺ من وراء هذه الأستار شرع وسنة ودين وملة، ولا يوجد أحد يستطيع تحميل الشريعة من داخل بيت النبيﷺ إلا زوجاته؛ فمن الذي يستطيع أن يعلمنا كيفية غسل الجنابة، والسنة في الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وآداب النوم، وقيام الليل، وغير ذلك من الأمور الخاصة غير أمهات المؤمنين؟ ولهذا تزوجﷺ في العشر الأواخر من عمره وهو المدينة بأكثر من أربعة؛ لأن الفترة المدنية هي زمن الأحكام والشريعة؛ بينما اكتفى طيلة ثلاث وخمسين سنة وهو في مكة بواحدة؛ لأن الفترة المكية هي زمن ترسيخ العقيدة، والشريعة فروع وجزئيات، والعقيدة أصول وكليات.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …
________________________
هذه الخطبة انجزت ونحن في الحجر الصحي
وهي بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يختصرها، أو يقتصر على بعضها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
ودعواتكم رأس مالي ورصيد اعتمادي
613شوال1441هـ 5 / 6 / 2020م.
خادمكم عبد الله بنطاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا