كورونا وتوظيف آداب العيد السبعة في الوقاية منه - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

كورونا وتوظيف آداب العيد السبعة في الوقاية منه



كانت ستكون هذه الخطبةآخرخطبة من رمضان هذه السنة إلا أنها وبسبب ظروف الحجر الصحي ليست للإلقاء من فوق المنابر؛ وإنما من أجل ألا ننسى نكهة الجمعة ونحن في الحجر الصحي في المنازل28 رمضان 1441هـ 22 / 5 / 2020. 
 كتبها فضيلة الفقيه  عبد الله بن طاهر  ويسألكم الدعاء

الحمد لله الذي العزيز الحميد، له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء شهيد، يُبدئ الخلق كما يشاء ويُعيد، وهو سبحانه الفعال لما يريد. وأشهد أن لا إله إلا الله شرع لنا آدابا خاصة بالعيد، فأمر من أجل النظافة بالغسل واللباس الجديد، وفرض من أجل المواساة زكاة الفطر وصلة الأرحام التي تبارك في العمر وتزيد، وشرع من أجل التوعية في العيد الخطبةَ بالقول السديد. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المجيد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشرف التليد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الوعيد.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
ها نحن بعد أيام سنكون في رحاب العيد بين الأيام، بعد أن استفدنا في مدرسة رمضان من دروس الصيام، وتربينا بنفحات التراويح والقيام، وبتسابيح الذكر والدعاء وتلاوة أحلى الكلام، يأتي تتويجا لكل ذلك فرحة العيد جزاء الإحسان والإكرام؛ والعيد لا يعني أبدا ترك العبادة، ولا يعني الخلود للكسل والفراغ؛ بل شرع فيه الإسلام عبادات خاصة به وهي آداب العيد السبعة.
ومن آداب العيد عناصر نحتاج إليها اليوم في مواجهة "كورونا"؛ وقد يقول قائل: ما علاقة العيد بـ"كورونا"؟ لهذا القائل أقول: لا تتوهم حتى تفهم، ولا تستفزَّ حتى تسفيد؛ فالعيد مدرسة تربوية نتعلم منها أمورا تنفعنا في أنفسنا، وفي التعامل مع غيرنا، وتصلح لتوظيفها في مواجهة "كورونا"؛ وهي ما يلي:

الأدب الأول: من آداب العيد إظهار الفرح والسرور:
لقد حث النبيﷺ على ذلك فقال: «إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا»؛ قال ذلك لأبي بكر الصديق حينما أراد أن ينهر ويمنع بنته عائشة زوجة النبيﷺ عن اللعب يوم العيد، وقالﷺ: «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»؛ فإذا كان عصرنا هذا بما فيه من سرعة التقلبات قد وثر الأعصاب، فأصبح الإنسان فيه أسرع إلى الغضب، فإنه يتحتم على المسلم أن يملك نفسه عند الغضب، وخصوصا يوم العيد، وبالأخص في الحجر الصحي في العيد.
ومن المعلوم أن جسم الإنسان يتفاعل مع الحالات النفسية لصاحبه؛ فيفرز حسب ذلك مادة تسمى "الأدرينالين" ترتفع من أجلها المناعة وتَنْشَط، أو تنخفض وتُكْشَط؛ فقوة المناعة في الجسم عند الفرح والسرور ليس هي نفسها عند القرح والخوف من الشرور؛ وإلى هذا المعني يشير النبيﷺ إذ يقول في آداب عيادة المرضى: «إذا دخلتم على مريض فَنَفِّسوا له في أجله؛ فإن ذلك لا يردُّ شيئا وهو يُطيِّبُ بنفسِ المريض»؛ أي: قولوا له: إنك ستشفى وستعيش وعمرك طويل؛ فإن ذلك في الحقيقة والواقع لا يزيد من العمر، ولكنه يرفع من معنويات المريض، ويساعده على التماثل للشفاء.
ولا يوجد لد الآن دواء لمرض "كورونا" إلا تقوية المناعة، ومما يقوي المناعة الحالة النفسية المستقرة التي تبعث على السكينة والفرح والسرور، وأسوأ حالات المريض بـ"كورونا" هو الموت؛ و{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}؛ فمن لم يمت بـ"كورونا" مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد؛ إذن لا بد من المحافظة على الأمل والرجاء، ولا داعي للقلق واليأس...

الأدب الثاني: من آداب العيد بعد صلاة الفجر الفطر بتمرة أو تمرات:
وذلك إيذانا بأن اليوم يوم العيد يحرم فيه الصيام؛ فقد كان النبيﷺ «يفطر على تمرات يوم عيد الفطر، قبل أَن يخرج إِلى الـمُصلَّى ويأكلُهنَّ وِتْرا».
وهذ يدخل ضمن التغذية، والإسلام له عناية فائقة بها، يدعو إلى أجودها ويختار المقادير المناسبة ويحذر من الإسراف فيها؛ فقد ذكر لنا القرآن الكريم: العسل وفيه شفاء للناس، والحليب لبنا خالصا سائغا للشاربين، وثمرات النخيل والأعناب، والطلح المنضود (أي الموز أو البنان) والماء المسكوب، والزرع مختلفا أكله، والتين والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه؛ فقال الله سبحانه: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}، وقال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
والخبراء يقولون: من قويت مناعته يستطيع أن ينجح في مواجهة "كورونا"، ومما يقوي المناعة الغذاء الجيد المتنوع؛ خضرا وفواكه وقطاني، في نظام غذائي متوازن، عوان بين ذلك لا إسراف ولا تقتير، بعيدا عن المعلبات والمصبرات والمبردات والمواد الحافظة...

الأدب الثالث: من آداب العيد الغسل واللباس الجديد:
لقد «كان رسول اللهﷺ يوم العيد يغتسل ويتنظف، ثم يلبَس أجود ما يجد من الثياب، ويتطيب بأجود ما يجد من الروائح الطيبة؛ وروى الإمام مالك في الموطأ «أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل يوم الفطرِ قبل أن يغدو إلى المصلَّى»، وروى الحاكم عن أنس -رضي الله عنه- قال: «أمرنا رسول اللهﷺ في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد».
والخبراء يؤكدون على النظافة في مواجهة "كورونا"، وهي هدف أسمى للإسلام، ليس في العيد فحسب؛ بل فرض على المسلم أن يكون نظيفا طيلة السنة كلها، فدعا لنظافة الأطراف بالوضوء، ودعا للغسل في كل أسبوع وعند الجنابة، وحث على تنظيف الفم والأسنان، وعلى الاستنجاء بالماء عند قضاء الحاجة، وعلى تنظيف الشوارع من الأزبال، والنصوص في ذلك كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}؛ وقول النبيﷺ: «إذا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يَدري: أين بَاتَتْ يدُه؟» وفي رواية: «أين كانت يَدُه تطوفُ؟»، وقولهﷺ: «السواك مطهرة للفم مرضات للرب»، وقولهﷺ: «حق على كل مسلم أن يغتسل كل جمعة يغسل رأسه وبدنه»؛ فقد سبق الإسلام كل النظم والهيئات في علاج الوباء بالنظافة والحجر الصحي، وشهد بذلك حتى غير المسلمين(1).

الأدب الرابع: من آداب العيد إخراج زكاة الفطر:
وزكاة الفطر في الإسلام ليست مجرد دريهمات تدفع للفقراء وكفى؛ بل هي طهارة يقول الله تعالى فيها: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، ويقول النبيﷺ فيها: «طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين»؛ فهي بمنزلة إسعاف أولي سريع لما قد يحتاج إليه الفقير لتحقيق الفرح بالعيد، وقد أوجبها الله عز وجل على كل مسلم صغير وكبير ذكر وأنثى، وقلل قدرَها حتى يخرجها أكبر عدد ممكن، بحيث لا تتجاوز قيمتها تقريبا عشرة دراهم لكل فرد، ورغم بساطتها وقلة قدرها تعد بالملايير؛ لو أن مليونا فقط من البشر جمعوا زكاة أموالهم لكان مجموعها مليارا، فكيف أن الأمة المسلمة اليوم تجاوزت المليار نسمة؟! فهي والله ثروة هائلة لو أحسنا استغلالها، لو نظمنا أخذها ودفعها.
وزكاة الفطر في الإسلام تدخل ضمن تقديم الخير للغير مساعدة للمحتاجين، وهو عنصر أساس في مواجهة "كورونا"؛ من أجله أنشأ جلالة الملك محمد السادس -حفظه الله- صندوق "كورونا". 

الأدب الخامس: من آداب العيد صلاة العيد والخطبة:
فالخطبة هي مجلة إسلامية أسسها الرسولﷺ لينشد فيها المسلم الحلول لمشاكله، تستعرض واقعه فتعرضه على ميزان الشرع، ونوعييتها تبنى على مدى دورها في التوعية؛ والتوعية عنصر أساس في مواجهة "كورونا"، فبالتوعية عرف الناس فائدة الحجر الصحي فالتزموا به، وعرفوا كيف يستعملون الكِمامات عند الخروج الضروري، وكيف يتعاملون مع الغير في إطار المسافة القانونية بين الأفراد... وهلمَّ جرا.

الأدب السادس: من آداب العيد صلة الأرحام:
وصلة الأرحام بركة في الأرزاق، وزيادة في الأعمار؛ يقول النبيﷺ: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه»؛ «وكان أصحاب رسول اللهﷺ إذا التقَوْا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم»، وليس من الضروري في هذه الظروف بسبب "كورونا" أن تكون صلة الرحم بمغادرة الحجر الصحي أو بالتنقل بين المدن؛ بل يجب أن تكون بوسائل الاتصال عن بعد عبر المواقع الاجتماعية؛ فإذا أخذنا بالتعليم عن بعد، فمن باب أولى وأحرى صلة الرحم عن بعد؛ فتكون التفقد عن بعد بالمكالمات، والاستفسار بالمراسلات؛ بل حتى الإحسان إلى المحتاج يكون عن بعد؛ فكثير من البنوك عندها برامج لتحويل الأموال إلى الغير عبر الهواتف المحمولة؛ زكوات وصدقات وصلات؛ وهناك أسر تقبع الآن في هذا الحجر الصحي لا يملكون ما يأكلون، تهددهم المجاعة بعينها؛ فإذا كان الأطباء يسعفون المرضى فيجب أن يسعف الاغنياء الفقراء؛ خصوصا الفقراء الذين تربطهم بهم أواصر القرابة والعائلة؛ والنبيﷺ يقول: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثِنْتَانِ: صدقة، وصلة»؛ فهذه فرصه لمن أحب أن يحسن لنفسه؛ فالله تعالى يقول: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}.  


الأدب السابع: من آداب العيد الذكر والدعاء:
والمسلم في مواجهة "كورونا" يحتاج للدعاء، وقد التجأ إليه حتى الكفار يدعون باطلهم، فكيف لا يلتجئ إليه المسلم؛ يقول النبيﷺ: «الدعاء هو العبادة» وفي رواية: «مخ العبادة»، والله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ فإذا كان الدعاء مخَّ العبادة فإن الذكر هو روح العبادة؛ قالت أمنا عائشة -رضي الله عنها-: «كان رسول اللهﷺ يذكر الله على كل أحيانه»؛ ومن الأذكار الجاري بها العمل عند المغاربة في العيد: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد على ما هدانا، اللهم اجعلنا لك من الشاكرين).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ تلكم هي آداب العيد السبعة، وهي في نفس الوقت لمواجهة "كورونا" الأسلحة النافعة: 
منها ما هو نفسي يتعلق بالحالات النفسية؛ كإظهار الفرح والسرور بالعيد.
ومنها ما هو غذائي يتعلق بحسن التغذية؛ مثل سُنَّة الفطور بعد صلاة الصبح يوم العيد.
ومنها ما هو جسدي يتعلق بالالتزام بالنظافة؛ مثل الغسل واللباس الجديد.
ومنها ما هو تعبدي يتعلق بالعبادة؛ مثل الذكر والدعاء وصلاة العيد.
ومنها ما خيري وإحساني مثل صلة الأرحام وزكاة الفطر صباح العيد. 
ومنها ما هو توعوي مثل خطبتي العيد.
ومواجهة "كورونا" لا يتحقق إلا بحالة نفسية جيدة، وبجسد سليم من الأمراض، وبمال وافر يفي بتحقيق الأغراض، وبالالتزام بالنظافة والتعقيم، وبغذاء متنوع ومتوازن، وبمجتمع متفهم ومتعاون، وبتوعية مفيدة هادفة، وأولا وأخيرا بالدعاء وذكر الله تعالى؛ وكل هذا نتعلمه من مدرسة العيد.     
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في تقرير لباحث أمريكي بمجلة "نيوزويك" في (21 مارس 2020)، طرح سؤالا: "هل تعلمون من الذي أوصى بالتزام النظافة والحجر الصحي الجديد في أثناء تفشي الأوبئة؟"، فأجاب: "إنها نبي الإسلام محمد، قبل 14 قرنا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا