خطبة الجمعة: مظاهر العدل والمساواة من خلال غزوة بدر الكبرى
الحمدلله الذي أكرم المصطفى
ﷺ بغزوة بدر الكبرى، وأرسله بالعدل والمساواة والشورى، فواصل في تحقيق سعادة البشر السير بالسرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علانية وسرا، وأشهد أن سيدنا محمدا أرسله الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، فكان في ظلام الكفر الدامس سراجا منيرا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم يحدد فيه مصير الناس جنة أو سعيرا.
ﷺ بغزوة بدر الكبرى، وأرسله بالعدل والمساواة والشورى، فواصل في تحقيق سعادة البشر السير بالسرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علانية وسرا، وأشهد أن سيدنا محمدا أرسله الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، فكان في ظلام الكفر الدامس سراجا منيرا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم يحدد فيه مصير الناس جنة أو سعيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
سيحل بنا في هذا الأسبوع اليوم السابع عشر من رمضان هذا اليوم الذي يذكرنا بأول انتصار سجله التاريخ للمسلمين في الْمَيْدان العسكري؛ تلكم هي غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة؛ التي سماها القرآن الكريم بيوم الفرقان، لأن الله عز وجل فرق فيها بين الحق والباطل. تلكم الغزوة التي نجح النبيﷺ في تسيير إدارتها فانتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم:
سيحل بنا في هذا الأسبوع اليوم السابع عشر من رمضان هذا اليوم الذي يذكرنا بأول انتصار سجله التاريخ للمسلمين في الْمَيْدان العسكري؛ تلكم هي غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة؛ التي سماها القرآن الكريم بيوم الفرقان، لأن الله عز وجل فرق فيها بين الحق والباطل. تلكم الغزوة التي نجح النبيﷺ في تسيير إدارتها فانتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم:
ثلاثمائة وخمسة عشر مقاتلا، وغزوة بدر ليست مجرد حدث وقع وانتهى، بل هي مدرسة عظيمة، أستاذها سيدنا محمدﷺ، وحارسها العام جبريل عليه السلام، ومديرها الله سبحانه وتعالى، وتلامذتها أمة الإسلام، وليست مدرسة عسكرية فحسب؛ بل هي مدرسة أخلاقية، ومدرسة اجتماعية، ومدرسة شرعية، ومدرسة التسيير؛ نتعلم منها عدة قواعد في الإدارة والتسيير منها:
قاعدة اتخاذ الحيطة والحذر، وقاعدة الشورى، وقاعدة المساواة في تطبيق القانون والشريعة، وقاعدة القبول بالمعارضة، وقاعدة الخضوع للحق ولو كان مرا، وقاعدة الأخوة المبنية على التعاون والتكافل والمودة والمحبة، وقاعدة المشاركة الميدانية لقادة الأمة في ميادين العمل؛ تلكم هي قواعد التسيير وأسس الإدارة كما طبقها الرسولﷺ في غزوة بدر الكبرى، فحقق للأمة فوزا كاسحا ونجاحا باهرا
فتعالوا بنا اليوم نكشف الستار عن قضية واحدة من القضايا التي اعتمد عليها رسول اللهﷺ فانتصر، قضية العدل والمساواة؛
ايها الإخوة المؤمنون؛ من القضايا التي كثر الحديث عنها على مدار الساعة المساواة؛ الكل يطالب بها، الكل يهدف إليها، الكل يهتف بها، فكان لا بد من الوقوف عند ضوابطها وحدودها وأسسها، ولا ينبغي الحديث عن المساواة بمعزل عن العدل، فالمساواة لا تنضبط إلا بالعدل والإنصاف، والدعوة إلى المساواة بدون العدل إنما هو كلمة حق أريد بها باطل؛ لأن المساواة في كل شيء بين البشر أمر صعب أو مستحيل، إذ لا يمكن أن نعمدَ إلى الأغنياء فتنزعَ منهم أموالهم ونجردَهم من ممتلكاتهم التي تعبوا في الحصول عليها، لتدفع للفقراء بردا وسلاما حتى نحقق وهم المساواة؛
بل يكفي أن يؤدي الغني من أمواله حقوقها من الزكاة والنفقة وغير ذلك؛ لأن المساواة في الرزق أمر مرفوض شرعا، والتفاوت فيه أمر مفروض واقعا؛ والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
كما لا يمكن أن ندعو في إطار المساواة إلى جعل نصيب الذكر مثل حظ الأنثى في الميراث كما نسمع في هذه الأيام؛ لأن ذلك ليس عدلا، وهو مخالف لنص القرآن الكريم الذي يقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ}، وإلا فلِمَ نفرضُ النفقة على الرجل دون المرأة؟ فلندْعُ أيضا للمساواة في النفقة لتروا ماذا سيحدث في الأسر من التخبط والفوضى!
وإن من الحقائق الثابتة التي أسسها الإسلام وحث عليها أنه لا يمكن لأية إدارة أن تستقيم -بدأ من الأسرة إلى الدولة- إلا بتحقيق العدل والمساواة؛ ففي مؤسسة الأسرة يقول رسول اللهﷺ فيما روى البخاري ومسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»؛ وفي مؤسسة الدولة يقول الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، ولم يقل وإذا حكمتم بين المسلمين، فالعدالة شاملة لجميع الناس مهما اختلفت عقائدهم وأجناسهم، ومن ذلك استخرج العلماء قاعدة إسلامية عظيمة: "العدل أساس الملك".
وعلى هذا فإن الإسلام ليس فيه قانون يحمي الظالمين، وليس فيه حصانة تشكل محمية للمجرمين؛ إنما الحصانة والحماية في الإسلام بالتقوى؛ قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}،
وقالﷺ: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، وجاء في الأثر: «الناس سواء كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية»؛ فغياب العدل والمساواة في أية إدارة إنما هو علامة على فشلها، وإيذان بهلاكها واندحارها مهما طال الزمن، والرسولﷺ يقول: «إنما هلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ لقد اتضحت هذه المساواة جلية في غزوة بدر، إنها تجلت في أسمى معانيها، وفي أجل أوصافها، في ثلاث وقائع:
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ لقد اتضحت هذه المساواة جلية في غزوة بدر، إنها تجلت في أسمى معانيها، وفي أجل أوصافها، في ثلاث وقائع:
الأولى: حين كانت مراكب الجيوش المسلمة قليلة، والمسافة بين بدر والمدينة بعيدة، فقسم بينهم الرسولﷺ المراكب بالمساواة، حيث جعل كل ثلاثة رجال يتناوبون على بعير، ولم يميز الأقرباء منه عن غيرهم، ولا الأغنياء عن الفقراء،
ولم يعزل القادة عن بقية الجنود، ولم يعزل لنفسه مركبا خاصا يستأثر به في كوكبة من أقربائه وأعوانه، بل إنهﷺ كان يتناوب مع اثنين من أصحابه على بعير، فلما قالا له: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك؟ قال لهمﷺ فيما روى الإمام أحمد: «ما أنتما بأقوى على المشي مني، ولا أنا بأغنى على الأجر منكما»
الثانية: عندما كان الرسولﷺ يسوي صفوف المقاتلين قبيل المواجهة، فمر بصحابي اسمه سواد بن غزية وهو خارج من الصف، فضربهﷺ بعصا في بطنه وقال: استو يا سواد! وهنا يعترض سواد ويقول: أوجعتني يا رسول الله! وقد بعثك الله بالحق والعدل، فامنحني فرصة آخذ منك بحقي، وفورا ودون تردد كشف له الرسولﷺ عن بطنه الشريفة فقال: خذ يا سواد! والصحابة ينظرون وقد أفزعهم الموقف، وأذهلهم الأمر، فكيف يسمحون أن يضرب رسول اللهﷺ؛
ولكن هذا الصحابي فاجأ الجميع حين اعتنق بطن المصطفىﷺ يقبله، فقال لهﷺ: ما حملك على هذا يا سواد؟ فقال: يا رسو ل الله لقد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك في حياتي أن يمس جلدي جلدك. الله أكبر! إنه موقف إيماني غني عن التعليق، منه ندرك عمق محبة المصطفىﷺ في قلوب أصحابه،
ومنه نتعلم أن النبيﷺ يقبل بالمعارضة في إطار العدل والمسواة ولو كان ذلك يؤدي إلى إيذائه وضربه، نتعلم منه أن الإذعان للعدل فضيلة، وأن الترفع عنه رذيلة، نتعلم منه أنه لا أحد فوق الشرع والقانون، نتعلم منه أنه لا يمكن لأية إدارة أن تستقيم -بدأ من الأسرة إلى الدولة- إلا إذا خضع مديرها للحق ولو كان مرا، نتعلم منها أن الحاكم يجب عليه إذا ظلم أن يمكن نفسه من مظلومه حتى يأخذ منه حقه، كما وقع في غزوة بدر.
الثالثة: الرسولﷺ لم يكن يوم بدر في برج عاجي مترفعا، يعطي الأوامر من بعيد، محاطا بخدمه وحراسه، بل نزلﷺ إلى أرض المعركة متواضعا، فشارك مشاركة فعالة في إدارتها، يرفع معنويات جنوده وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}؛
فلا شك أن معنويات الجندي ترتفع حين يرى قائده بجانبه في الميدان مساويا له في المشاركة، فقد روى الإمام أحمد عن علي قال: «لما حضر البأس يوم بدر اتقينا برسول اللهﷺ وكان من أشد الناس، ما كان أحد أقرب إلى المشركين منه»
وروى مسلم أنهﷺ قال لأصحابه يوم بدر: «لا يتقدمن أحد منكم حتى أكون أنا دونه»؛ ومن هذا نتعلم أنه لا يمكن لأية إدارة -بدأ من الأسرة إلى الدولة- أن تستقيم إلا بالمشاركة الميدانية المستمرة لقائدها، تلك المشاركة التي نشعر الجميع بالعدل والمساواة في أسمى معانيها وفي أجل أوصافها....
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
ألقيت في رمضان 2016
أئمةمروك - الفقيه عبدالله بنطاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا