خطبة الجمعة مكتوبة :حقيقة الصبر وفضائله .أحمدالبعمراني - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة مكتوبة :حقيقة الصبر وفضائله .أحمدالبعمراني


الحمدلله الحليم الرحيم ، سبحانه الذي إذاأحب عبدا ابتليه ،وإذاصبرالعباد على أقداره أجزل لهم الثواب ، ووفاهم بغير حساب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل فضيلة الصبر سلوة المحبين ، وملجأ أهل البلاء والأواءوالفتن ، وأ شهد أن سيدنا ونبيّنامحمّدًا عبده ورسوله خيرُ قدوة لنا في الصبرعلى المكاره والأحزان ، وفي نوائب الدهر ومذلهمات الزمان.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وعلى آله وأصحابه الكرام أهل السؤدد ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان مادام في الدنيا خير والله يعبد .

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون وخيرمايتواصى به المومنون بعضهم لبعض هي تقوى الله عز وجل
فهي السبيل لمن أرادالنجاة ، وهي المخرج لمن أرادالفرج وتيسير كل عسير، ونيل كل مطلوب ، فأوصيكم ونفسي بالتحلي بالتقوى ، مع الإستعانة بالصبر .
فاللهم أجعلني وإياكم من المتقين .

عبادالله: إن من نداءات الرحمن تبارك وتعالى في القرآن لعباده المومنين،  أن دعاهم إلى الصبر،  والإستعانة به للتغلب على مذلهمات الأمور، فبه تهون على المرءالنوائب وتستسهل كل المصاعب .قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

فالصبرإذارافقه صدق التوجه لله والاستسلام والخضوع له ، أدرك به العبدالمومن مبتغاه ،ووصل به إلى المراتب العالية عند الله.

والصبرعبادالله له حقيقة ـ وفضائل ـ وأقسام ـ فماهي حقيقة الصبر وماهي أقسامه وفضائله ، وماهوجزاءالصابرين عندالله.
هذاماسأتناوله معكم في خطبة اليوم ، نسأل الله العون والتوفيق والسداد .

أما الصبر في لغة العرب فيقال صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ ويقال رجل صَبُور وامرأة صَبُور .
وجمعه صُبُـرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس والوقف وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه.
وعرفه ابن القيم الجوزي بقوله:
الصبر :هو حبس النفس عن محارم الله - وحبسها على فرائض الله - وحبسها عن التسخط والشكاية لأقدارالله.
وقيل هو: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله .
ذكره الجرجاني في التعريفات.

وعد الإمام ابن القيم الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين ، منزلة الصبر ضمن منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، وذكر الصبر في القرآن الكريم في مرات ، عديدة، داخل سياقات ومواضيع مختلفة ، وذكرهاالإمام أحمد رحمه الله تعالى في نحو تسعين موضعا .
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية الصبر ومنزلته في الدين . وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على وجوبه فقال:
وهو واجب بإجماع الأمة . وهو نصف الإيمان . فإن الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر .
فالصبر أيها الإخوة المومنون؛ هوالزاد الذي لاينفذ ، والضّياء الذي لايطفأ، من استعان به أفلح ، ومن عمل به كان الله معه وفي رعايته وحفظه .

ومن هنا جاء النداء الإلهي الخالد: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
 (153) البقرة.

أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة ، فبالصبر تنالون كل فضيلة ، وبالصلاة تنهون عن كل رذيلة { إن الله مع الصابرين } أي معهم بالنصر
 والمعونة والحفظ والتأييد.

وقسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أنواع :
الأول : الصبر على فرائض الله - وهوالطاعة لأوامره سبحانه وتعالى والسعي لنيل مرضاته .قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ }

الثاني : الصبرعلى أقدار الله المؤلمة - وهو التجلد والتماسك  والإحتساب والاستسلام لمراد الله تعالى في كل مايصيب المومن من تعب أومرض أومصيبة  أوضيق أوبلاء أومحن ، لأن الدنيا هكذا خلقت للإبتلاء والإختبار قال تعالى في سورة الملك :
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ } والدنيا مزيج بين الفرح والحزن،  والصحة والمرض وازدياد مولود أوفقد حبيب ، وغنى أوفقر وهكذا دواليك ،إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذاحال الدنيَا .
فالمؤمن الصابرالمحتسب عندما يعترضه مايسوءه مماذكر، وصبر واحتسب له أجر. 

أماالنوع الثالث والأخير من أنواع الصبر :فهو الصبر على عدم ارتكاب المعاصي - أو الصبر عن المعاصي ـ وهو من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها وملذاتها من كل ماحرم الله ورسوله ، لأن النفس لها دواعي داخلية ، كالهوى والنفس الأمارة بالسوء ، وخارجية ؛ كالشيطان بخطواته التي يدعوا فيها إلى الفحشاء والمنكر - والدنيا بمغرياتها وزينتها وفتنتها.

فأن تمنع نفسك أيها المومن من إرتكاب أمر حرمه الله ، وتخالف نفسك وهواك هذاصبر؛ لأن النفس الأمارة بالسوء عدوة للإنسان . وقدجاء في تفسير القرطبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه. (ماتقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية ، وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية ) قالوا يارسول الله هذاشر صاحب في الأرض؛
قال:(فوالذي نفسي بيده إنهالنفوسكم التي بين جنوبكم) 
ت،ج 9.صفحة 210.

وفي هذا المعنى يقول يحيى بن معاذ رحمه الله: "حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها ، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها ، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء ، إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية ، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا " ـ أي اشتد عليه المرض ولازمه الفراش .

وإذاكانت النفس العدوالخفي للإنسان؛ فإن الشيطان هوالعدو الظاهر الذي لاتخفى عداوته على كل ذي بصيرة ، خاصة الإنسان المؤمن الذي يقرأ كلام الله تبارك وتعالى وفيه قوله تعالى في سورة فاطر {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير} والشيطان لايريد لبني آدم أن يصبر ليكون جزاؤه الجنة ، بل هو يدعوه إلى النار.

أما فضائل الصبر عبادالله والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي جاءت فيها فماأكثر أن نحصرها في خطبة ، وحسبكم فيها قول الله تبارك وتعالى في سورة الزمر
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } إذجعل الله جل في علاه أجرالصابرين عنده كثيراغيرمحدود .

ووصف عمل الصابرين بأنه من عزم الأمور فقال تعالى في سورة الشورى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} والصبرمنهج الأنبياء وكثيرة هي الأيات التي حكا فيها القرآن الكريم لناعمل الأنيباء عند البلاء والشدة وكيف كان تعاملهم معه ..وكذلك السلف الصالح ..، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا }
أماالأحاديث النبوية الدالة على فضيلة الصبرفكثيرة أيضامنها ماروي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: (مايصيب المومن من نصب ولاوصب ولاهم ولاحزن ولاأذى ولاغم حتى الشوكة يشاكهاإلاكفر الله بها من خطاياه)

والمعنى أن الله تعالى يجازي المومن الصابرالمحتسب في كل مايصيبه ويكفربه من خطاياه ، فالصبر والإحتساب سبب لمحو الذنوب والسيئات ، والصبريرفع الله به إلى أعلى الدرجات، ووعد الله تعالى الصابرين على طاعته ورضاه بدخول الجنة لقوله تعالى :
{  أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار،ِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها..}
وبشرالله تعالى الصابرين في قوله في سورة البقرة
{و لبْنلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } 

فاللهم ارزقنا الصبر واليقين بماعندالله وعافنا واغف عنا وثبتنا على الدين وعلى الصراط المستقيم آمين نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد الاولين والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية
الحمدلله وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه .وبعد:

أيها الإخوة المومنون إن من اركان الإيمان بالله تعالى :الرضى بالقضاء والقدر فمن رضي بماقدر له وصبر ، نال عزا وشرفا وظفر ، وإن أفضل الصبر ماكان في بداية الأمر
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) وكان سبب ورود هذا الحديث ماروي عن أنس رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال ( اتقي الله واصبري ) فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) متفق عليه.

فعلى المومن أن يحتسب الأجر عند الله ويلجأ إليه عند المصيبة ويدعوا بالخلف ويقول :اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، أوأن يسترجع ويفوض أمره إلى الله " فعسى أن تكرهو شيئاوهوخيرلكم "
وكذلك العكس .. وأمر المومن كله خيرلقوله عليه الصلاة والسلام :
( عَجَبًا لأَمْرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ ليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ)
رواهُ مسلم.

فالله الله ياعباد الله ،استعينو بالله ثم ـ بالصبر على فرائض الله ، واحتسبوا الأجر عند الله ـ  فيما أصبتم به من اقدار الله ـ والزموا أنفسكم الصبرلتقف عند حدود الله كي لاتنتهك حرماته.

فاللهم ألهمنا الصبر والثبات وارزقنا بردعفوك وحلاوة مغفرتك اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا .. الدعاء


أئمة مروك - أحمدالبعمراني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا