خطبة الجمعة حول قصة الرجل الأمين والخشبة
![]() |
الحمدلله
الذي أنزل على رسوله الكتاب هداية للناس ورحمة للعالمين وفيه أمرنا الله تعالى بأداء الأمانات والوفاء بالعهود
فقال تعالى :{إن الله يامركم أن تود الأمانات إلى أهلها } وقال تعالى {وأوفوا بالعهد
إن العهد كان مسئولا }
وأشهد
أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا الأمين رسول الله ،اللهم
صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد :
عباد
الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السروالنجوى وأن نودي الأمانات إلى أهلها ونفي بعهودنا
إخوتي في الله .
يدور
موضوع حديثنا اليوم عن " الرجل الأمين والخشبة " وهوعبارة عن قصة من القصص
النبوي نقصها لنرى مافيها
من الدروس والعبر.
ولعلها تكون لنا
نافعة وثمارا يانعة .
ولقد روى هذه القصة البخاريُّ رحمه الله تعالى في
مواضعَ عديدةٍ من صحيحه : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال
:( إنّ
رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ
أَلْفَ دِينَاراٍ . فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ : كَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ : فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا.
قَالَ : صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ
فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ
الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ
فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍوَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا
، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي
كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَار، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ : كَفَى
بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ
شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ
الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ
حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ
إِلَى بَلَدِهِ .
فَخَرَجَ
الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ
، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا،
فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ
فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَار، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ
مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ.
قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ
مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ
الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
هذه
قصة لولا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها لصَعُب تصديقها
وفي
القصة فوائد :
أولها
: مشروعية الدين . ولا خلاف في ذلك. والمقرض له أجر كبير، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد
عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
:«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ : ثُمَّ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ».
قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ
بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ:«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا
فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ؟ قَالَ : «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ
قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ
يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .
ثانيها
: أنّه ينبغي على الإنسان أن يُوثِّقَ دينه ويحافظ على ماله ، فذاك الرجل كان يداين
الناس ويطلبُ كفيلاً، وفي هذا حفظٌ للحقوق .
ثالثها
: جواز الأجل في القرض .
فإن
حلّ الأجل وجب الوفاء .
قال
النبي صلى الله عليه وسلم :«مطل الغني ظلم ..» فإن لم يجد المدين ما يدفعه للدائن فلا
أقلَّ من الذهاب إليه وإخباره بعبارة لطيفة بدلاً من التخفي منه .
فإذا
اطلع الدائن على حال صاحبه فعليه أن يُنظره لقول الله تعالى
:{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .
رابعها
: بيان ثمرة التوكل على الله ببذل الأسباب ..
وفي
القصة صورتان من صور التوكل الصادق ..
1 ـ
توكل الدائن على الله ورضي بالله شهيداً وكفيلاً ..
2ـ وتوكل
المدين على ربه لما دفع المال في البحر ، واتخذ ما يقدِر عليه من الأسباب : كالدعاء
ونقر الخشبة ثم وضعِ المال في جوفها ، ثم إصلاحِ ثقبها ..
وقد
قال تعالى :{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ، فكل أمورك لله ، واتخذ ما تحت يدك من
الأسباب ، ولا تُعلِّق بها قلبك ، والله ولي أمرك .. ومَنْ صَحَّ تَوَكُّله أفلح سعيه
. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ومافيه
من الأيات والقصص والعبر
وبحديث سيد الأولين
والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمدلله
رب العالمين الذي أرسل إلينا محمدا الصادق الأمين وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى
بهديهم إلى يوم الدين .
وبعد عباد الله، إننا مأمورون بأداء الأمانات وعدم
أكل أموال الناس بالباطل إمتثالا لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ففي
الحديث الذي روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا
تَخُنْ مَنْ خَانَكَ "
وتلك
هي الفائدة الخامسة التي نستخلصها من هذه القصة
: أنه
ينبغي الحرص على إرجاع الحقوق ..
إنّ
المرء ليعجب من أناس يقسمون بالله كاذبين ليأكلوا أموال الناس .. أوما علم أولئك بقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ
فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » . فَقَالَ
لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا
يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :«وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [أخرجه مسلم] .
وفي
القصة أنّ من أحسن الظن بربه كان الله عند ظنه .
وفيها
بيان قدرة الله .
ثم
الفائدة السادسة ألاوهي: فضل أداء الأمانة ، وهي أول ما يُضَيَّع ، وقد بوب
البخاري في صحيحه باب : رفعِ الأمانه ، وساق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
قال فيه :( لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ : إِنَّ فِي بَنِي
فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا) . ولا أدري أجاء هذا الزمان أم لا. ولقد
أضاعها كثيرمن الناس في زماننا والله المستعان فإنك لتجد المرء لاتشك في صلاته وزكاته
وغيرها، إلاأنك إذا عاملته بالمال بان لك حقيقة أمره ، والله المستعان ، وإليه المشتكى
. وقد قال تعالى
:{ إِنَّ
اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وقال النبي صلى الله
عليه وسلم
(اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ
لَكُمْ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ،
وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ
، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) أخرجه الإمام أحمد
. والأمانة لها أنواع كثيرة،منها:
ومنها
* الأمانة في العبادة:
فمن
الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف الشرعية، فيؤدي الفروض التي افترضها الله عليه على
أتم وجه قاصداً بها وجه الله تعالى.
ثم *
الأمانة في حفظ الجوارح:
فعلى
المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، يجب عليه أن يحافظ عليها، ولا يستعملها
فيما يغضب الله.
* الأمانة
في الودائع:
ومن
الأمانة حفظ الودائع وأداؤها لأصحابها عندما يطلبونها كما هي,
قال
تعالى{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}
* الأمانة
في العمل ورعاية الأسر
بأن
يؤدي المرء ما عليه على خير وجه، فالعامل ورب الأسرة..والمؤظف ..إلخ الكل مطالب بأن
يتقن عمله ويؤديه بإجادة وأمانة.
* الأمانة
في الكلام:
وذلك
بأن يلتزم المسلم بالكلمة الصادقة والجادة، فيعرف قدرها وأهميتها.وقد قال عليه الصلاة
والسلام : (المستشارمؤتمن ).
الأمانة في حفظ الأسرار:
فالمسلم
يحفظ سر أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره .
فاللهم
أعنا على أداء كل هذه الأمانات على أحسن وجه وارشدنا واهدنا إلى الطريق المستقيم
وأصلح أحوالنا واقض حوائنا وفرج همومنا واقض ديننا آمين .. إن الله وملائكته يصلون
على النبي ياايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فصلوا وسلموا على البشير
النذيروالسراج المنير فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا