خطبة الجمعة:حال المسلم مع رأس السنة الميلادية وكيف يواجهه؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة:حال المسلم مع رأس السنة الميلادية وكيف يواجهه؟

الحمد لله الذي أمرنا بالإيمان بنبوة سيدنا عيسى، وجعل لنا العبرة والفائدة بقصص سيدنا موسى، وأشهد أن لا إله إلا الله حرم الخمور التي يشربـها بعض المسلمين ليلة رأس السنة كالحسا، فيختلطون في الملاهي الرجال فيها هم زير النساء، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي جاءنا بشريعة تذهب الحزن والأسى، بها تنطق الفضيلة وتكون الرذيلة خرساء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الكرام الرؤساء، وأصحابه الذين كانوا في الصالحين خير جلساء، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تقابل الصباح والمساء.أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعت.ه

ها هي رأس السنة الميلادية تقترب، إنها تزحف بحملها الثقيل فتلسع من قل إيمانه يفسقها ومجونها، وليس العيب في رأس السنة ولا في بطنها ولا في أخمص قدميها، وإنما العيب فينا، وإنما العيب في جرأتنا على الله تعالى، وإنما العيب في التقليد الأعمى لليهود والنصارى، فنعانق ما لديهم من الفسوق والمضرات، في الوقت الذي نتغافل عن المنافع التي في أيديهم، من التقدم والصناعات.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان بنا هجانا
أيها الاخوة المؤمنون إن الصليبيين اليوم يملكون مادتين خطيرتين أخذوا بهما زمام الأمور في العالم، فوجهوا كما أرادوا، وشوهوا الحقائق كما يحلو لهم، إحدى هاتين المادتين نافعة وطيبة، ومصدر القوة والعزة، والأخرى 
منتنة ومضرة، ومصدر الذل والهوان.

فأما النافعة الطيبة فهي العلم والتقدم والصناعي، فهذه هم فيها بخلاء أشحاء لن يرى فيها المسلم حتى القطرات، فإذا ما حاول مسلم الاقتداء بهم في هذا المجال رموه بالخيانة لحقوق الإنسان، وحاربوه باسم الإرهاب، وباسم نزع أسلحة الدمار الشامل، وهل يرهب الآمنين إلا حروبهم الصليبية؟ وهل يدمر الإنسانية إلا حصائد أفعالهم وفسقهم؟ فهم يريدون المسلم أن يكون دوما نائما في الدول النامية، لا يريدون للأمة الانخراط في الركب الحضاري، فهذه حقيقة لا غبار عليها.

أما المادة المنتنة المضرة فهي فساد الأخلاق، وفسق المعاملات، من دواعي الخمور والقمار والمخدرات، وبواعث الزنا والربويات، فهم في هذه المادة كرماء يوزعونها بسخاء، ويزينونها بشتى الوسائل، فيظن البسطاء والبلهاء والجهلاء منا، أنها طريق التقدم والعلم، وهي في الحقيقة إنما تأتي على ما تبقى لنا من العلم والتقدم،

ففي هذا النطاق يدخل الآن ما يغزو مجتمعنا من الاحتفالات برأس السنة الميلادية. كيف يواجه المسلم هذا الحدث الزاحف؟ وكيف يقف بإيمانه ضد هذا السيل الجارف، وضد هذه السحب المحملة بالأمطار الحمضية المفسدة لثروة الأخلاق والفضيلة والعقيدة، والتي تكبد في رأس كل سنة للأعراض خسائر فادحة؟ وما الذي يجب عليه أن يقوم بها في رأس السنة لحماية دينه وإيمانه؟
أولا: الأولى بنا أن نتذكر في رأس السنة العمر الذي يتآكل بالسنوات، وقد تكون عجافا من ناحية الأخلاق والأعمال الصالحة. 
ماذا قدمنا فيها؟ وماذا ضيعنا؟ ماذا فعلنا بمسؤولياتنا الطويلة والعريضة؟ ماذا فعلنا بالأخوة الإسلامية التي ضيعنا حقوقها؟ هل حضرنا لسؤال يوم القيامة جوابا؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي وحسنه والطبراني واللفظ له: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ما ذا عمل به». جنازة تِلو جنازة ووفاةٌ بعد وفاة، وأخبار الموت تتوالى؛ فلان بحادث سيارة، وآخر بمرض، وآخر فجأة؛ كلهم تركوا الدنيا وراء ظهورهم ودفنّاهم تحت التراب فحتماً سيأتِي يومي ويومك، فجهّز العدّة لسفر ليس له رجوع، يامن تؤخر التوبة بحجة أنك صغير؛ عفواً فالمقابر ليس مكتوب عليها "للكبار فقط"؛ فكم من صغير ورضيع فيها؟

يا زائر القبر عما قليل***ماذا تزودت للرحيل
ثانيا: لو كانت رأس السنة مرتبطة حقا بسيدنا عيسى عليه السلام، لكان الأولى به نحن المسلمين، فنحن أولى به من الصليبيين، كما كنا أولى بسيدنا موسى من اليهود، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مسلم: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من عَلاَّت وأمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى نبي».

نعم أيها الاخوة في الله! نحن أولى بعيسى من الذين ألهوه وعبدوه وجعلوه ندا للذي خلقه، نحن أولى بعيسى من الذين زعموا أنه مخلص العالم، وأنه صلب لينقد الناس من خطاياهم، فيستقبلون ذكرى ميلاده بمزيد من الخطايا والآثام.
نحن أولى بعيسى نتذكر معجزة ولادته دون أب كما خُلِق آدم دون أب ولا أم والله تعالى يقول: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون).
نحن أولى بعيسى نتذكر زهده وصبره وبره بأمه، وأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه، وسينزل آخر الزمان ليحكم بين الناس بشريعة القرآن.

نحن أولى بعيسى نتذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مسلم: «والله ليزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسِرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتُرَكنَّ القِلاص فلا يُسعَى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليَدْعُوَنَّ إلى المال فلا يقبله أحد» ونقف هنا عند كلمة " لتتركن القلاص فلا يسعى عليها" والقلاص هي الإبل، أليست قد تركت اليوم فلا يسعى عليها، واستبدلت بالسيارات والحافلات وغيرها، فهذا دليل على صدق هذا الحديث عن نزول عيسى بن مريم حكما عدلا؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه سيحج ويعتمر فقال صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مسلم: «والذي نفسي بيده ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا» وفج الروحاء: اسم مكان بين مكة والمدينة.
ثالثا: ينبغي أن نعلم أن المسلم ثابت بذاته، مستقل بهويته، لا ينساق وراء التبعية لغيره، ولا ينصهر في عادات غيره وثقافته، فقد روى الترمذي عن حُذيفةَ قال: قالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم: «لا تَكونوا إمَّعَةً: تقُولونَ: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أحسنا وإنْ ظَلَموا ظَلَمنا، ولكنْ وطِّنُوا أنفُسكُم: إنْ أحسَنَ النَّاسُ أن تُحسنُوا، وإنْ أسَاءوا فلا تَظلِموا»؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد للمسلم أن يتشبه بغيره، لقد أكد لنا صلى الله عليه وسلم ذلك قولا وفعلا:
أما القول فقد روى أبو داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، بل تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن يتشبه بغير المسلمين فقال فيما روى الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» وويل لمن تبرأ منه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .

أما الفعل فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك مجالا في العبادات ولا في المعاملات، إلا وقد وخالف فيه اليهود والنصارى، حتى قال اليهود: «ما يدع من أمرنا شيئا إلا وخالفنا فيه».
رابعا: ينبغي أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من تقليد الصليبين منذ أربعة عشر قرنا، وأخبر بأن ذلك سيحدث في الأمة يوما ما، وقد حدث وعشناه اليوم، ورأس السنة أوضح دليل عل ذلك؛ وإن هذا لبرهان ساطع على صدق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولدليل ناصع على أنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى، ينبغي ألا يفوت المؤمن فرصة من أجل الدعوة إلى دين الله سبحانه، وإلى التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم «لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ «فَمَنْ؟».
فبإطلالة واحدة لواقع الأمة نشاهد صدق هذا الحديث النبوي الشريف؛ إذ نجد الأمة مطبوعة بهذا التقليد طولا وعرضا، وفي شتى المجالات، وإن المسلم عندما يتدبر هذا الحديث ليحس بنفحة ربانية تخالج قلبه، فيزداد إيمانه، ويلهج لسانه خالصا من قلبه: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فبإمكان المسلم أن يستغل حتى هذا التقليد، لدعوة الناس إلى دين المصطفى صلى الله عليه وسلم.
خامسا: ينبغي أن نعلم أن الإسلام جاء للمحافظة على خمسة أمور: الدين والنفس والمال والعقل والنسب؛ ففي ليلة رأس السنة الميلادية تنتهك حرمة هذه المقاصد الخمسة.
فأما الدين فلا رائحة له في قاعاتها، لا عقدية ولا أخلاق ولا عبادة ولا حلال. أما العقل فقد غيبته هناك الخمور وغربت شمسه أم الخبائث فيصبح الإنسان بهيمة قد يزني بأمه وبنته وخالته. أما النسب فالزنا له بالمرصاد، فهناك تحمل الأرحام مئات من اللقطاء الذين لا يعرفون من أبوهم ولا نسبهم. أما النفس والصحة ففيها توزع أرقام أخرى من السيدا والسرطان والنوار وغيرها. أما المال فحجز كرسي واحد في إحدى الفنادق ليلتها قد يصل ثمنه إلى الملايين؛ ألا ما أغلى المنكرات؛ فطريق جهنم باهظة الأثمان، وطريق الجنة في الخطوات إلى المساجد بالمجان.
سادسا: ينبغي أن نعلم أن ما يحدث في رأس السنة اليوم من بعض المسلمين مع الأسف الإسلام منه بريء، وسيدنا عيسى منه بريء، حيث تتسع الاحتفالات وتغص برواد اللهو والفجور القاعات، حيث تذبح الفضيلة، وتقتحم المناكر، وتداس الأعراض، ويوزع عصير الشياطين على قلوب الحاضرين، وتحرق نار الخمور والشهوة كل حشمة وحياء وعفاف، فإذا ضاقت تلكم القاعات انتقل الفجور إلى داخل الديار، فيشترك فيها الكبار قبل الصغار، وتزين فيها الأشجار، وتضاء فيها الأنوار، وتوزع فيها الألعاب والحلوى وهدايا الصليب، وفي ليلة رأس، وفي ساعة الصفر -كما يقولون نعم إنها ساعة الصفر؛ ولكن الصفر من الأخلاق، الصفر من الكرامة، الصفر من الرجولة، والإنسانية- وفي ساعة الصفر يستباح ما تبقى من الممنوعات، وهنا تقف عن الوصف الأقلام، وتعجز الألسنة عن الكلام، وهنا توزع الجراثيم: جراثيم فقدان المناعة وفقدان الأخلاق وفقدان الإيمان وفقدان الإنسانية، وكل هذا يحدث في بلاد المسلمين، وممن يدعي الإسلام؛ ونتساءل: أين سيدنا عيسى من كل هذا؟ أين زهده وعفافه؟ أين عفاف أمه البتول العذراء الطاهرة، من هذا البحر الخضم من المنكرات؟ والإسلام لا يعاني من أعدائه بالقدر الذي يعاني من أدعيائه...
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فأيها الاخوة المؤمنون!
اعتبروا رأس السنة يوما كسائر الأيام، لا فرق بينه وبين بقية الأيام إلا بالتقوى، لا تقدموا فيها الهدايا ولا تأخذوها من أحد، واجتنبوا قاعات الفسق والمجون في هذه الليلة وفي غيرها من الليالي، ولا تشتروا لأبنائكم الألعاب الخاصة بأعياد النصارى واليهود، فلكم في الأيام الأخرى ما شئتم من الألعاب وعلى التجار المسلمين ألا يساهموا في هذه المظاهر الصليبية، في نوع التجارة التي يعرضونها وألا يزينوا الدكاكين بالأضواء والأنوار. فاحذر أيها المسلم أن تكون بوقا لشعارات الصليبيين، أو ببغاء تحكي أقوالهم وأحوالهم.

يا من يحتفل بميلاد اليسوع، أو برأس السنة أو بطنها! يا من يقلد الصليبيين! ها هي ذكرة ميلاد نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول؛ هل رأيت يهوديا أو نصرانيا يعتني بها كما تفعل أنت بذكرياتهم، إنهم يتجاهلوننا ويتجاهلون أعيادنا؟ فلم هذا التقليد الذي يجعل المسلم يفقِد هويته ويضِل عن ذاته؟ فلم نحتفل حتى بأعيادنا على طريقة أعيادهم؟ ونحن والله أولى بمخالفتهم! وهل يجوز للمسلم أن يقلدهم وهو يصلي ويقرأ في الفاتحة كل يوم: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين)؟…
ألا فاتقوا الله عباد الله! وأكثروا من الصلاة والسلام على 
رسول الله صلى الله عليه وسلم…

أئمة مروك _الفقيه السوسي والخطيب :عبدالله بنطاهر

هناك تعليق واحد:

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا