لماذالايرى بعض المالكيةجوازصلاةالجمعة للمتيمم الحاضرالفاقدللماء ؟
أجاب عنه سيدي عبد الله بنطاهر التناني:
إمام وخطيب ومشرف مدرسة الإمام البخاري بأكادير
وبالصيغة الأخرى :
لماذا لا يصلي الحاضر الصحيح الجمعة بالتيمم في المشهور عند المالكية؟
سائل يسأل: لماذا لا يجب أن تصلى الجمعة بالتيمم في المشهور عند المالكية؟ أفيدوني في هذه المسألة ولكم مني جزيل الشكر إخوة الأعزاء
الجواب: السؤال غير دقيق بما فيه الكفاية؛ ولذلك لا بد من توضيح صورة المسألة على هذا الشكل:
المتيمم للجمعة على أربعة أنواع؛ يصح التيمم للجمعة من طرف الثلاثة اتفاقا، ولا يصح من طرف واحد على المشهور في المذهب:
الأول: المسافر الصحيح الذي لم يجد الماء يتيمم للجمعة اتفاقا.
الثاني: المسافر المريض الذي يضر به الماء يتيمم للجمعة اتفاقا.
الثالث: الحاضر المريض الذي يضر به الماء يتيمم للجمعة اتفاقا.
الرابع: الحاضر الصحيح الذي لم يجد الماء وهو بدوره على ثلاثة أصناف حسب العثور على المياه: يائسا أو مترددا أو راجيا؛ فاليائس من الماء يتيمم للجمعة قولا واحد.
أما المتردد والراجي وهو المقصود في السؤال، ففيه داخل المذهب ثلاثة آراء:
1) المشهور أنه لا يتيمم ويصلي الظهر وهو في الأصل قول للإمام أشهب المالكي؛ وذلك بناء على أن صلاة الجمعة ليست فرض يومها؛ بل هي بدل عن الظهر؛ لأنه إن فاته وقت الجمعة وهي بدل لم يفته وقت الظهر الذي هو الأصل، وهو المراد بقول الإمام ابن عاشر في منظومته:
............... ويستبح***الفرض لا الجمعة حاضر صحيح
2) قيل: يتيمم ويصلي الجمعة ونسب هذا القول لابن القصار المالكي.
3) قيل: يتيمم ويصلي الجمعة، ثم إذا وجد الماء توضأ وصلى صلاة الظهر، وهو اختيار ابن يونس من المالكية احتياطا.
ومنشأ هذا الخلاف أمران:
الأمر الأول: هل الجمعة فرض يومها؛ أي: فرض مستقل عن الظهر مع سقوط واجب الظهر، وهو (أي: كونها فرض مستقل عن الظهر) المشهور، أم هي بدل عن الظهر وقيام الخطبتين مقام الركعتين، وهو (أي: كونها بدل عن الظهر) الضعيف؛ فمن اعتبرها فرض يومها قال بجواز التيمم لها مطلقا ولو من الحاضر الصحيح، ومن اعتبرها بدلا عن الظهر قال بعدم الجواز وهو المشهور.
وهذه المسألة يقال فيها: "المشهور المبني على الضعيف"، وفي مقابلها: "الضعيف المبني على المشهور"؛ فعدم إجزاء تيممه للجمعة مشهور مبنى على ضعيف, وإجزاؤه ضعيف مبنى على مشهور.
الأمر الثاني: الاختلاف في حرف "أو" الثانية في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)؛ هل هي على بابها بمعنى أنها للتنويع، أم أنها بمعنى الواو بمعنى أنها لمجرد الجمع على أصل الفعل.
فمن قال: إنها على بابها للتنويع أدخل الحاضر الصحيح في مدلول الآية فيجوز له التيمم مطلقا للجمعة وغيرها مثله مثل المسافر والمريض المنصوص عليهما في صدر الآية.
ومن قال: إنها بمعنى الواو للجمع على أصل الفعل فالآية عنده لا تتناول بالنص إلا المسافر والمريض؛ أما الحاضر الصحيح الذي لم يجد الماء إنما يدخل بالقياس على المسافر الصحيح لوجود علة فقدان الماء؛ ومن المعلوم أن الحكم الثابت بالقياس ضعيف بالنسبة للحكم الثابت بالنص من الكتاب.
وبعض العلماء قالوا: محل الخلاف في المسألة هو: اذا خشى باستعمال الماء فوات الجمعة مع وجود الماء فعلا؛ قال البنانى: والذى يدل عليه نقل المواق والحطاب وغيرهما أن محل الخلاف إذا خشى باستعمال الماء فوات الجمعة مع وجود الماء المشهور أنه يتركها ويصلى الظهر بوضوء وقيل: يتيمم ويدركها وأما لوكان فرضه التيمم لفقدان الماء، وكان بحيث اذا ترك الجمعة صلى الظهر بالتيمم فإنه يصلى الجمعة بالتيمم ولا يدعها وهو ظاهر نقل الحطاب عن ابن يونس.
وبعد البحث تبين لي -والله أعلم- أن هذا القول لم يقل به ابن يونس ولا الحطاب ولا المواق صراحة، وإنما ذلك ظاهر كلامهم كما قال البناني نفسه، وهو مردود بنص القرآن الكريم {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى...} {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الذي يبين أن سبب التيمم أمران: خوف ضر، أو عدم ماء؛ ولا يوجد أيٌّ من السببين في هذه الحالة؛ لأن السبب هو: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، ولم يقل أحد من العلماء بجواز التيمم للصحيح مع وجود الماء في غير هذه الجزئية...
وقد صرح جل العلماء في هذه المسألة على فقد الماء منهم قال ابن بشير: "وهل يتيمم من فقد الماء لصلاة الجمعة حذرا من فواتها؟ في المذهب قولان: أحدهما: أنه لا يتيمم، قاله أشهب؛ وهذا لأنه يراها بدلا من الظهر، فإن لم يمكن أداؤها بشرطها انتقل إلى الأصل. والثاني: أنه يتيمم، حكاه ابن القصار و أبو جعفر الأبهري؛ وهذا لأنها صلاة قائمة بنفسها، وفي المذهب قولان في ذلك."
الخلاصة: أن صلاة الجمعة لا تصح بالتيمم للحاضر الصحيح الفاقد للماء في المشهور عند المالكية؛ لأنها بدل عن الظهر، ولأن حكمه (أي الحاضر الصحيح) ثابت بالقياس لا بالنص، ومن تيمم وصلى فلا بأس وجمعته صحيحة على الراجح؛ والمشهور ما كثر قائله والراجح ما قوي دليله. والله أعلم.
انظر المسألة في: التنبيه على مبادئ التوجيه:(ص351) لابن بشير، ومواهب الجليل للحطاب:(1/483)، والشرح الكبير لمنظومة ابن عاشر للشيخ ميارة:(ص152)، والثمر الداني شرح الرسالة لصالح بن عبد السميع الأبي:(1/74)، والفلق البهى على شرح نظم الأخضرى لمحمد بن محفوظ بن دهمد:(ص175).
عبد الله بنطاهرالمالكي
قبيل صلاة العصر من يوم الأحد
23 ربيع الأخير 1435هـ 23/2/ 2014م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.
أئمة مروك-عبدالله بنطاهر التناني

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا