فريضة الزكاة وآثارها - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

فريضة الزكاة وآثارها


من إعدادفضيلة الأستاذ: محمد زراك

الجمعة 14محرم 1444 هـ - 12 غشت 2022 م

الحمد لله الذي شرع للمسلمين زكاة أموالهم، وجعلها فرضا تُؤخذُ من أغنيائهم وتعطى لفُقرَائِهِم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وَعد الـمُزكِّين أموالهم بالمغفرة والثوابِ في دنياهم وآخرتِهم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله إلى الناسِ كلِّهم، حَذَّر مِن مَنْعِ الزكاة وحرمانِ الفقراء من حقوقهم، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه جميعِهم، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم بعث الناس وحسابِهم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾   

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ اعتاد كثير من الناس على أن يُخرجوا زكاة أموالهم في هذه الأيام -في بداية السنة الهجرية- ومن المناسب أن نُخَصّصَ خطبة اليوم للحديث عن أهمية الزكاة في الإسلام وآثارها، سائلين الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

عباد الله! إن هذا المال الذي بين أيدينا، من أعظم نعم الله علينا، فهو أساس الحياة وقَوَامُها، قال الله تعالى ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا﴾  أي: هذا المال جعله ثباتا في صلاح الحال، ودواما في ذلك،  فبالمال يُحقّق المسلم غاياتٍ دينيةً ودنيويةً، فيوفرُ الطعام والشراب، والمسكن واللباس، والزواج والنفقةِ على الأهل والأولاد، وبه يتقربُ الى الله ويعبدُه بالزكاة، والحجِّ والعمرة وصلة الأرحام، والإنفاقِ في سائر وجوه الإحسان. 

وتأتي الزكاة في مقدمة العباداتِ المالية، فهي فريضة الله عز وجل على المسلمين، وهي ركن من أركان الدين، أوجبها في مال الأغنياء، تؤخذ منهم وتعطى للفقراء، قال الله تعالى﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» 

عباد الله! إن لفريضة الزكاة بَرَكَاتٍ ومنافعَ، وآثاراً وفوائدَ، تعودُ على الغني الـمُزكِّي، وعلى الفقير الآخِذ؛

فأما الغني المزكي: فإنه عندما يُخرج الزكاة يتقرب بها الى الله، رجاء الفوز بالأجر الكريم، الذي وعد الله به المنفقين المتصدقين﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ 

كما أنها تُطهر نفسه من أنجاس الخطايا والذنوب، وتطهر أخلاقه من البخل والشح والطمع، وتربِّيه على الرحمة والإحسان والكرم، وتطهر كذلك المال وتحميه من المصائب والآفات، وتَحُلّ مَحلَّها الرحماتُ والبركات،قال تعالى﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ .

وأما الفقير الآخذ: فإن الزكاة تُخفّف عنه معاناتِه ومشاكلَه، وحرمانَه وآلامَه، لأنه عندما يأخذ الزكاة ينتفع بها، فيشتري طعامَه ولباسَه، ودواءَه ويقضي حاجاتِه وديونَه، فبذلك تكون الزكاة حلا لمشكلة الفقر.

ثم إنها تطهر قلب الفقراء من الكُره للأغنياء، لأن الفقير حين يرى الأغنياء يتمتعون في الحياة ويتنعمون بالمال، وهو يعاني من الفقر والحاجة والحرمان، مما يجعله يَحسُد ويَكرهُ الأغنياء، وربما دفعه ذلك إلى الجريمة والانتقام، والسرقة والإفساد، مما يُهدّد سلامة أفراد المجتمع، ويقطعُ أواصرَ المحبة والتآلف بين المسلمين، فجاءت الزكاة لتَكون صِلَةَ وَصْلٍ وسَلامٍ بين الأغنياء والفقراء.

أيها المسلمون: إن كثيرا من الناس في هذا الزمان -إلا من رحم الله-لا يُخرجون زكان أموالهم، فَرَّقوا بين الصلاة والزكاة، فهو يُصلون الصلواتِ في أوقاتها، ولكن لا يُخرجون الزكاة ولا يُؤدونها، مَثَلُهم كَمَثَلِ بعضِ الأعراب الذين امتنعوا عن إخراج الزكاة بعد وفاة النبي ﷺ، فحاربهم سيدنا أبو بكر وقاتلهم، حتى أدَّوْا ما عليهم من الزكاة، وعندما قال له عمر " كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وهم يشهدون أن لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أجابه قائلا " وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ" 

 والدليل على أن كثيرا من الناس في هذا الزمان لا يخرجون الزكاة، ما نراه في المجتمع من كثرة الفقراء والمساكين، والمحتاجين والمحرومين، فالأغنياء المانعون للزكاة، هم سبب وجود هؤلاء الفقراء، فلو أن كل غنيٍّ أخرج زكاته، ما رأيت فقيرا على هذه الأرضِ ولا وجدتَه، فعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ قَدْرَ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِلَّا إِذَا جَاعُوا وَعُرُّوا مِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ مُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، وَمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا نُكْرًا» 

 وما ابتُليت الأمة اليوم بهذه المصائبِ والآفات، والشدةِ والأزمات، وانتشارِ الفقر والأمراض، وغلاءِ الأسعار ومنع نزول الأمطار وندرة المياه؛ إلا بسبب منع الزكاة، فالله الله أيها المؤمنون في أنفسكم،  ألا فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألا فارحموا من في الأرض يرحكم الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، إذْ رَأَى سَحَابَةً فَسَمِعَ فِيهَا صَوْتًا: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلان، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ، فَتَتَبَّعَ الرَّجلُ الْمَاءَ، فوجد رَجُلا قَائِما فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ فَمَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ»

فإخراج الزكاة والصدقات، سبب عظيم من أسباب تنزل الرحمات والبركات، على البلاد والعباد. فاللهم اجعلنا ممن طَهَّر بالزكاة نفسَه ومالَه، وطَلَب رضاك فَنَالَه، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله؛

 لِيعلمْ كلُّ الذين جمعوا المال وكنزوه، ومنعوا حق الله وأكلوه، أنهم سينالون عقاب ما بخلوا، وسيُعانُون من شُؤم ما عملوا، قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾  إنها والله عقوبة شديدة، تَرجُف منه القلوب والأفئدة.

وإن مانع الزكاة عندما يأتيه الموت، يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليُخرج زكاة ماله ويتصدق، يقول عبد الله بن عباس   "من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى ولم يحج؛ أو تجب فيه الزكاة ولم يُزَكِّ، سأل الرجعةَ عند الموت-يعني يطلب الرجوع إلى الدنيا- فقال له رجل: اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار. فقال ابن عباس: قال الله تعالى﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾  فسارعوا إلى إبراء ذِمَمِكُم بإخراج زكاة أموالكم، وإعطائِها للمستحقين منكم، نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع ثوابها وأجرها.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيمانا مع إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم إنا نسالك قلبا خاشعا، وعلما نافعا، ولسانا ذاكرا، وعملا صالحا، ويقينا صادقا ورزقا طيبا مباركا يارب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا