عيد الأضحى بين أحكام الأضحية وحِكَمِ التضحية - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

عيد الأضحى بين أحكام الأضحية وحِكَمِ التضحية

من إعداد فضيلة الفقيه: عبدالله بنطاهر التناني  

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، أمر المسلم بالأضحية تقربا لطاعته ورضاه، وحذره من الوقوع ضحية المعاصي ونهاه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هواهم تبعا لهواه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

ها هو عيد الأضحى قد قرب أوانه، والعيد في الإسلام ليس لطبقة دون طبقة، والفرح في الإسلام لا يجدي ولا ينفع إذا لم يكن فرحا شاملا عاما، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وكالبنيان يشد بعضه بعضا؛ إن فرحة العيد لا تتم إلا إذا كانت فرحة جامعة مانعة، فرحة شاملة كاملة، لا تتم إلا إذا كانت فرحة أمة؛ لا فرحة فرد وأسرة؛ فالعيد في الإسلام ليس عيد البطن والمعدة، بل هو عيد القلوب والأفئدة، وليس العيد من لبس الجديد، وأكل الحلوى والثريد، ولكن العيد حينما تنال من رضوان الله ما تريد، والأضحية ليست مجرد لحم وكباب؛ بل هي عبادة وإحسان للأهل والأحباب، كما هو تضحية وذكرى للأولي الألباب.

●  أما كونها عبادة وإحسانا للأهل والأحباب؛ فلما يتعلق بها من أحكام شرعية مما يجب ويستحب ويجوز ولا يجوز، نمتثل فيها قول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، ونقتدي فيها برسول اللهﷺ الذي قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا» [أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه، وضعفه غيرهما وهو في فضائل الأعمال].

والأضحية في حد ذاتها سنة وليست بواجبة، وتكفي رب الأسرة أضحية واحدة له ولمن يعوله ويُنفق عليه، ويجب أن تكون خالية من العيوب التي تؤثر في وفرة لحمها، وجودة مظهرها، وألا تنزل عن أدنى درجات الجودة التي تجعل قيمتها متدنية، وأوصاف السلامة فيها مختلة؛ فلا يجزئ التضحية بالعوراء أو العرجاء، أو المريضة، أو العجفاء الهزيلة الضعيفة جدا، أو العضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها، أو مكسورة القرن الذي يسيل بالدم لحظة الذبح؛ قال رسول اللهﷺ فيما روى الإمام مالك والترمذي: «أربع لا يجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظَلْعُها، (أي: عرَجها) والعجفاء التي لا تُنْقِى» أي لا مخ في عظامها ولا شحم فيها لِضَعْفها وهُزالها.

ولا يجوز أن يعطي الجزار شيئًا منها أجرة له على عمله، ولكن إذا دفع إليه شيئًا منه لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أمرني رسول اللهﷺ أن أقوم على بدنة، وأن أقسم جلودها وجلالها، وألا أعطي الْجَازِرَ شيئًا منها، وقالﷺ: نحن نعطيه من عندنا»، [رواه الشيخان وأبو داود] ولا يجوز كذلك أن يبيع شيئًا من الأضحية لحمًا كان أو جلدًا أو غيرهما؛ لقولهﷺ فيما روى الإمام أحمد: «لا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحي، فكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها».

وإذا كان لكل عبادة وقت محدد فإن وقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد وبعد ذبح الإمام؛ لقولهﷺ فيما روى الشيخان: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم ولا نسك له»، وفي رواية: «من كان ذبحَ قبل أن نُصَلِّي فَليَذْبَحْ مكانَها أُخْرَى»، وفي رواية أخرى: «إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجَّله لأهله ليس من النسك في شيء»؛ وروى الإمام مالك عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: إن خاله أبا بردة بن نِيَارٍ: «ذبح قبل أن يذبح النبيﷺ فقال رسول اللهﷺ: أَعِدْ نُسُكك».

ويستحب التصدق ببعضها إحسانا للأهل والأحباب من غير تحديد بالثلث ولا بالنصف ولا بغير ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، ولقوله سبحانه: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}؛ والبائس الفقير؛ هو: الشَّديد الفقر، إما يكون قانعا وهو: المتعفِّفُ القانع بالشيءِ اليسيرِ يحصل له وهو في منزله، وإما أن يكون معترًّا وهو: الذي يعتري الناس ويتعرض لهم بمظهر الفقر ليعطوه من غير أن يسأل.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين...


 الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين… 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛

●  وأما كون الأضحية تضحية وذكرى للأولي الألباب؛ فلأننا نتذكر فيها تضحية أبي الأنبياء إبراهيم بابنه إسماعيل عليهما السلام والله تعالى يقول فيها: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}؛ ومن ذلك نتعلم أن التضحية لا بد منها، لن يستقيم المجتمع إلا بالتضحيات السِّلْمِية السَّلِيمَة؛ لا رفاهية إلا بالتضحية، ولا تربية إلا بالتضحية، ولن يصلح التعليم إلا بها، ولن يقوى الاقتصاد إلا بها، ولن يصلح الدين والدنيا إلا بها؛ فالتضحية هي الصبر والتحمل لمن لم يجد، كما هي العطاء والإحسان لمن وجد، ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجد.

والتقدم والازدهار إنما يبنى بسواعد من يضحي بمصلحته الخاصة من أجل المصلحة العامة، كما أن التخلف والاندحار سببه الذين يضحون بالمصلحة العامة من أجل مصلحته الخاصة، والتاريخ يعلمنا أن رقي الأمم والشعوب، منوط بمعاني التضحية والفداء، والبذل في سبيل الصالح العام بجود وسخاء. 

فما أحوجنا الأمة الإسلامية اليوم إلى ترسيخ قيم التضحية في سلوك الأجيال، وقد فشت فيها آفة التضحية بالمصلحة العامة من أجل المصلحة الشخصية...

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا