التأني وأهميته في حياة المسلم
إعداد فضيلة الأستاذ:محمد زراك
الجمعة 27 ربيع الآخر 1443هـ الموافق لـ 3 ديسمبر 2021
الحمد لله الذي جعل التأني من الأخلاق الكريمة، ووعد من تخلق به السلامة من الحسرة والآفات والندامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة خالصة ودائمة، سبحانه وتعالى أنزل القرآن نورا للعباد وهداية ورحمة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله زكى الله خلقه وأعلى مقامه، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الأخلاق الفاضلة والقلوب السليمة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
أما بعد: فيا أيهاالمؤمنون والمؤمنات؛
إن الله تعالى أرسل رسوله الكريم، عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم، وأنزل القرآن العظيم، ليكون لنا ضياء ورحمة، ونورا وهداية، يضيء لنا حياتنا بالخير والحكمة والسلامة، وهذا ما نتعلمه من هذه القصة التي بين أيدينا.
بعد إسلام قبيلة بني المصطلق بعث إليهم رسول اللهﷺ الوليد بن عقبة رضي الله عنه لكي يجمع منهم أموال الصدقات، فلما سمعوا بقدومه خرجوا إليه ليستقبلوه، فلما رآهم ظن أنهم خرجوا إليه ليقتلوه، فرجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره أن القوم قد أرادوا قتله، فهم رسول الله ﷺ أن يغزوهم ويحاربهم، فقدم عليه وفْدُهُم؛
فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي إليه مَا قِبَلَنَا من الصدقة، فولى راجعا، فبلغَنا أنه زعم أننا خرجنا إليه لنقتله، ووالله ما جئنا لذلك ، فأنزل الله تعالى قوله:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
هذه الآية جاءت بمبدأ عظيم وخلق كريم من أخلاق الإسلام ألا وهو خلق التبيُّن: ومعناه التأني وعدم التسرع وهذا الخلق نحتاجه في جميع جوانب حياتنا،سواء في عباداتنا وفي معاملاتنا وكذلك في علاقاتنا مع أنفسنا ؛
فتكون الأقسام ثلاثة. فأما حاجتنا إلى التأني في عباداتنا، فالمسلم يحرص أن يصلي بخشوع وخضوع، ولا يسرع في صلاته، فقد رأى رسول الله ﷺ رجلا صلى بسرعة ولم يتم ركوعها وسجودها قال له:" «ارجع فصل، فإنك لم تصل» ) ثلاث مرات ( فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: «إذا قمت إلى الصلاة، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»
وهكذا عند قراءة القران الكريم لا ينبغي للمسلم أن يسرع في تلاوته، بل يرتله ترتيلا، ويعطي كل حرف حقه، لينال على كل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
وكذا عند الدعاء: فالمسلم يسأل الله تعالى ماشاء من خيري الدنيا والآخرة، لكنه لا يتسرعُ ويستعجل الإجابة، يقول رسول الله ﷺ : «لا يزال يستجاب للعبد...ما لم يستعجل» ... يقول: «قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» فسيدنا موسى عليه السلام لما دعا على فرعون وقومه بقوله:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم }؛
استجاب الله تعالى دعوته فقال:{ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} ولكن بقى فرعون وقومه بعد هذه الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا ! أربعون سنة يا عباد الله!! وموسى ينتظر ولم يستعجل ولم يمل حتى تحققت الاستجابة بغرق فرعون وقومه.
وأما حاجتنا إلى التأني في معاملاتنا : فإن أهميته تظهر فيما يلي: لو بلغتك إشاعة عن أخيك تكرهها في دينه أو عرضه أو شرفه أو خلقه، فإنك لا تتسرع إلى تصديقها، لأن الإشاعات غالبا تكون كاذبة، ونتائجها سيئة، فكم من زوجين طُلقا، وكم من قرابة قُطعت، وكم من شراكة فُرقت، وكم من جماعة شُتِّتَت بسبب خبر كاذب، وقد رأينا رسول الله ﷺ لم يحارب بني المصطلق ، بل تأكد من صحة الخبر لماجاءه وفدهم يكذب ما ادعاه الوليد بن عقبة رضي الله عنه .
مثال آخر: لو تتبعتم كثيرا من حالات الطلاق في مجتمعنا، ستجدون أن السبب خلاف ونقاش بين زوجين بسبب مشكلة صغيرة، فيغضب الإثنان ويتسرعان إلى حل مشكلتهما بالطلاق، فيتشتت شمل الأسرة، ويكون الأولاد ضحية هذا التسرع، وعرضةً للانحراف والتشرد، فيا معشر الأزواج: إن الحياة الزوجية بما فيها من سكن ونفقة ومعاشرة وتربية الأولاد كلها عبادة لله تعالى ، فلو قدر أن هناك مشاكل فحلُّها يكون بالصبرُ وكظم الغيظ، والاحترام والتسامح، والرضا وتحمل أخطاء الآخر، فلا يُتسرع إلى الطلاق، بل لابد من التأني والتمهل وعدمِ التسرع لكيلا تصبحوا على ما فعلتم نادمين.
فاللهم رد بنا إلى الحق ردا جميلا، وأعنا على طاعتك يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين اجمعين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
وبعد عباد الله؛ وأما حاجتنا إلى التأني فيما بيننا وبين أنفسنا فإن الواحد منا أحيانا عندما يُقبل على أمر من الأمور - على زواج اوسفر اوعمل أوشراكة : يحتار ويتردد، ولا يدري ماذا يفعل هل يتقدم أم يتأخر؟ ولكي يقطع المسلم دابر الندم والخيبة في تصرفاته، ينبغي أن لا يتسرع، ويتحقق ذلك بأمرين:
أولهما؛ الاستشارة: استشر مَن حولك من أهل التجارب والخبرة، وقد كان الرسول دائمَ الاستشارةِ لأصحابه، وهذا عمرو بن العاص الصحابي الجليل المعروف بذكاء ودهاء لم يسبق لهما مثيل يقول عن نفسه: "ما نزلت بي قطُّ عظيمة فأبرمتها حتى أشاور عشرة من قريش مرتين؛ فإن أصبت كان لي الحظ دونهم، وإن أخطأت لم أرجع على نفسي بلائمة" .
ثانيهما: استخارة الله تعالى: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: " إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمرَ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري... فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ... فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رَضِّنِي به " قال: «ويسمي حاجته» .
هكذا يا عباد الله نكون قد رأينا التأني وأهميته في عباداتنا ومعاملاتنا وعلاقتنا مع أنفسنا، فاللهم وفقنا جميعا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
هذا وأكثروا من هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اللهم اجعلنا يوم الفزع الاكبر من الامنين ولحوض نبيك من الواردين ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين وعن النار مزحزحين، والى اعلى جناتك سابقين،والى وجهك الكريم من الناظرين..
اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا