خطبة: كورونا وتحري الدعاء ليلةَ القدر بالعفو العام - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة: كورونا وتحري الدعاء ليلةَ القدر بالعفو العام


هذه الخطبة ليست للإلقاء من فوق المنابر؛ وإنما من أجل ألا ننسى نكهة الجمعة ونحن في الحجر الصحي في المنازل.
لفضيلة الفقيه : عبد الله بن طاهر ويطلب منكم الدعاء.

الحمد لله الذي شرع لنا في ليلة القدر طلب العفو في الدعاء، والدعاء للروح هو الغذاء والدواء، وأشهد أن لا إله إلا الله العفو الكريم المنعم علينا بنعم فاقت الإحصاء والاستقراء، والمستحق لكل مدح وإطراء، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أرسله الله هاديا حين زاغت الأبصار وضلت الآراء، فأزال بنوره عن العقيدة الشك والمراء، وعن المعاملات الضلال والافتراء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين كانوا في نشر الإسلام خير سفراء…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
ها نحن قد حطت بنا مسيرة الأيام في محطة العشر الأواخر من رمضان، وقد وضعنا أرجلنا على عتبة بابها الريان، وهي فرصة نادرة لا تأتي إلا مرة في السنة لمناجاة خالق الأكوان، فرصة لتحري ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لاستخراجها من طيات الزمان، فرصة للتراويح والتسابيح وتلاوة القرآن، فرصة للدعاء بالعفو العام الشامل من أجل هذا الإنسان؛ وفرصة كهذه لا يضعها إلا المتغافل الكسلان ؛

وخصوصا في هذه الأيام التي يهدد فيها "كورونا" في العالم الأمن والأمان؛ وليس الأمن الصحي فقط؛ بل الأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن التعليمي، والأمن الديني؛ لقد أغلق "فيروس كورونا" المصانع والمتاجر والمدراس والمساجد، وفتح في المقابل المستشفيات والمصحات والمقابر؛ فكانت الإنسانية في حاجة لعفو عام، والعاقل لا يضيع فرصا تضاعف فيها الأرباح مرات؛ فكيف إذا تضاعفت عشرات المرات؟!

فكيف إذا تضاعفت مئات المرات؟! فكيف إذ تضاعفت لتسجل رقما قياسيا خيرا من ألف شهر؟! إنما يتكاسل عن المشاركة فيها الغافل، أما العاقل فلا يتوانى عن المشاركة الفعالة؛ بل العاقل كل العاقل من تعرض لها، والغافل كل الغافل من أعرض عنها...

أيها الاخوة المؤمنون؛ لقد أمرنا النبيﷺ بتحري ليلة القدر بالعبادة والدعاء، والدعاء هو مخ العبادة، وهي تحوم حولنا في أوتار العشر الأواخر، وخصوصا ليلة السابع والعشرين منها؛ تحوم حولنا ولسان حالها ينادينا: هل من راغب في القيام والدعاء؟ هل فيكم من يريد تحقيق الرجاء؟  هل من طالب للعفو والعافية؟ هل من مستغفر يستهدف كفارة الذنوب؟ فالنبيﷺ يقول: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

ويقولﷺ: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، ويقولﷺ: «من كان متحريَّها، فليتحرها ليلة سبع وعشرين»، وقد اغتنمَتْ أمنا عائشة -رضي الله عنها- الفرصة فسألت رسول اللهﷺ نيابة عن الأمة فقالت: «يا رسول اللَّه؛ إن علمتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قالﷺ: «قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي»؛ فما أحوج العالم اليوم في ظل أزمة "كورونا" للعفو والعافية!

• ندعو بالعفو من أجل التوبة النصوح؛ لأنفسنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ سواء التي اقترفناها بقلوبنا؛ نفاقا ورياء وسمعة أو إعجابا وتكبرا أو بغضا وحسدا. أو التي اكتسبناها بجوارحنا؛ من حصائد ألسنتنا، وخائنات أعيننا، وجرائم الأَجْوَفَيْن منا، والأكل بالباطل أموال غيرنا...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الرحمة والصلاح؛ لأسرنا وعائلاتنا من الآباء والأجداد، والإخوة والأزواج والأولاد والأحفاد؛ ترحما على من كبَّلتْه قيود الممات، وإصلاحا لمن بقي على قيد الحياة؛ إحياء للعلاقات الاجتماعية، بصلات الأرحام ولو عن بعد عبر المواقع الاجتماعية، وقد فقدت خلق الوفاء، فزادها "كورونا" سوء الجفاء...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الترحم والمغفرة؛ لمن اخترمتهم المنية وأدركهم الموت بسبب "كورونا" أو بغيره، فلم يدركوا أيامنا هذه؛ فهم في الحجر القبري محتجزون، وعن مشاركتنا في الحجر الصحي ممنوعون، ونحن يوما مَّا إلى ما صاروا إليه صائرون، فهم السابقون ونحن اللاحقون...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الشفاء؛ للمرضى بمرض "كورونا" وغيره؛ الذين أقعدهم المرض، وأعاقهم عن المشاركة في العبادة والدعاء؛ فهم في المستشفيات على الأسرة البيضاء يرقدون، منهم من أمضى الأسابيع العديدة، ومنهم من أمضى الشهور الطويلة، ومنهم من لا يغمض له جفن، ولا يهدأ له بال، آلام متعبة، وأوجاع مؤلمة، ضيق في التنفس، وضيق في النفوس...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الشكر والجزاء؛ لهؤلاء الشرفاء الذين أراد الله لهم أن يكونوا في الخطوط الأمامية في مواجهة "كورونا"؛ سواء منهم العاملون في مجال الأمن الصحي من الأطباء والممرضين الساهرين على العلاج؛ أو العاملون في مجال الأمن الاجتماعي من الشرطة والجيش والسلطة الساهرين على الوقاية...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل قبول الأعمال؛ لهذه الكوكبة النيرة من الأئمة والمرشدين تحت إشراف وزارة الأوقاف، ومن المعلمين والأساتذة تحت إشراف وزارة التعليم، وقد ملئوا الفراغ وشغلوا الساحة عبر المواقع في إطار الإرشاد والتعليم عن بعد، فقربوا المعلومات للأذهان، وأدوا الواجب قدر الإمكان، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ وهذا أقصى ما ستطاعوا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}...  
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الفتح والإقبال؛ لمساجدنا ومدارسنا المغلقة، والدروس فيهما بسبب "كورونا" معلقة؛ لتفتح أبوابها من جديد، فيُقْبِل عليهما الرواد والتلاميذ، ما أجل التفاعل المباشر عبر الواقع بين الأئمة والرواد في صفوف المساجد، وبين المعلمين والمتعلمين في فصول المدارس...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الهداية؛ حتى للضالين المضلين، الذين هم في غيهم سادرون، وعن طاعة الله متقاعسون، وعلى المعاصي والخطايا والآثام مُكبون، تمر عليهم مواسم العبادة والمنافسة في فعل الخير فلا يتحركون؛ وقد كان النبيﷺ يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل النهوض والتعافي؛ للاقتصاد الوطني والإسلامي والعالمي؛ وقد كان بسبب الجفاف في أسوإ الأحوال، فجاء "كورونا" ليقضي على ما تبقى من الآمال؛ ندعو له بالعفو حتى يستعيد عافيته؛ من الركود إلى النهوض، ومن التهاوي إلى التعافي...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل الأمن والسلام؛ للذين أهلكتهم الحروب في كثير من البلدان، وأرقتهم الخطوب والفتن؛ فأريقت فيهم الدماء، ورملت النساء، ويتمت الأطفال، ونهبت الأموال، حروب مدمرة لا تميز بين الرضيع والطفل الصغير، ولا المرأة ولا المريض ولا الشيخ الكبير، هدمت على رؤوس أطفالهم منازلهم، ودمرت على معاناة مرضاهم مستشفياتهم...
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)

• ندعو بالعفو من أجل توحيد الكلمة في إطار كلمة التوحيد؛ لأمة الإسلام حتى تسترجع قدسها وتحمي مقدساتها، وقد شتت الأدعياء والأعداء شملها؛ فسلطوا التفكيك على توحيد الكلمة، والتشكيك على كلمة التوحيد، بخططهم وخطواتهم، وبمآمراتهم ومؤتمراتهم... 
(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ يجب أن نعلم أن قول النبيﷺ: «اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي»؛ هو دعاء؛ والدعاء له شروط لابد من توفرها، وموانع لابد من اجتنابها، ويمكن أن نلخصها في ستة أمور:

الأول: أن يكون الداعي صالحا في قلبه؛ قال النبيﷺ: «...إن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه».
الثاني: أن يكون صالحا في عمله؛ قال النبيﷺ: لسعد بن أبي وقاص: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة...».

الثالث: أن يكون مصلحا لغيره؛ قال النبيﷺ: »والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».

الرابع: أن يكون مخلصا في دعائه؛ قال الله سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ فإذا كان الدعاء مخَّ العبادة فإن الإخلاصَ هو روح العبادة.

الخامس والسادس: أن يكون حامدا لله ومصليا على رسولهﷺ؛ فقد سمعﷺ رجلا يدعو في صلاته ولم يُصَلِّ عليه فقالﷺ: «عَجِل(1) هذا، ثم قال له: إذا صلى أحدكم فليبدأْ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليُصَلِّ على النبيﷺ ثم ليدع بعدُ ما شاء»، ثم جاء رجل آخر، فحمد الله وصلى على النبيﷺ؛ فقالﷺ: «أيها المصلي؛ ادع الله تُجَبْ»؛ وإنما عجل الأول لأنه ترك الترتيب المطلوب؛ فقدم المسألة قبل الوسيلة؛ فالتحميد أولا، ثم التصلية ثانيا، ثم الدعاء بعدهما؛ فما للمسلم بعد ذلك إلا أن يدعو وكله عزم ويقين بالإجابة بلا شك ولا تردد؛ وقد قال النبيﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة»...

(اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عنا)
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «عجل هذا» بكسر الجيم ثلاثيا، ويجوز فيه الفتح والتشديد رباعيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا