حكم الرقص عموما وللمرأة في حضرة النساء
حكم رقص المرأة أمام النساء
أخت كريمة تسأل: السلام عليكم
كنا في الآونة الأخيرة مع مجموعة من الداعيات في وليمة أخت لنا لم يكن فيها اختلاط، علت أنغام أناشيد إسلامية فإذا ببعض الحاضرات قامت ترقص، وبعدها بساعات قامت بعض ممن نحسبهم داعيات إلى الله تعالى للرقص أيضا أمام العامة وما هو حكم الرقص بصفة عامة؟ وبصفة خاصة كدعاة أمام العامة؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب: مدار الخلاف في الرقص هو اختلاف العلماء: هل هو من الفسق والفساد، أم هو من اللهو واللعب؟
فمن قال: هو جزء من الفسق والفساد حرمه جملة وتفصيلا فانتهى الأمر، ومن قال: هو جزء من اللهو واللعب قال بأنه تعتريه الأحكام الثلاثة: حيث يدور حكمه بين الإباحة والكراهة والحرمة، وذلك بالنظر إلى أمرين: نوعية الرقص ونوعية الراقص:
أولا: يكون مباحا -وهو الأصل- بشروط أهمها:
–أن يكون رقصا هادئا غير مثير للشهوة، ولا مخدش بالحياء، ولا مظهر للعورة.
–ألا تصاحبه نغمات موسيقية صاخبة فاسقة الإيقاع فاحشة الأداء.
–أن يكون بين النسوة فقط ليس فيهم ذكر بالغ، أو بين الرجال فقط.
–أن يكون الهدف منها الترويح على النفوس وإضفاء شيء من السعادة عليها.
واستدل من قال بهذا بما روى البخاري أن النبيﷺ قال لعائشة رضي الله عنها في عرس امرأة من الأنصار: «هل كان معكم لهو؛ فإن الأنصار يحبون اللهو»، وبما روى البخاري عن عائشة أيضا أنها قالت: «لقد رأيت النبيﷺ يوما على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحراب في المسجد يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم».
وقد أدخل بعضهم في هذا ما عليه بعض الصوفية؛ قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير للدردير (بلغة السالك: 2/326): "وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء، وهو مذهب السادة الصوفية، قال الإمام عز الدين بن عبد السلام: من ارتكب أمرا فيه خلاف لا يعزر لقوله عليه الصلاة والسلام: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، وقالﷺ: «بعثت بالحنيفية السمحة»، وقال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}؛ أي: ضيق".
ثانيا: يكون مكروها؛ وذلك إذا قلنا بأن أصل الرقص هو الإباحة لا ينبغي أن ينسينا ذلك أن المباح يصير مكروها في حق العلماء والعالمات ووجهاء الناس؛ وفي هذا يقول السادة العلماء وخصوصا المتصوفة: "حسنات الأبرار سيئات المقربين"... وهذا مجرد حكمة وليس بحديث، ومعناه صحيح وإن أنكره بعض الحنابلة المعاصرين (السلفية). وعلاوة على ذلك فإنه يشترط فيمن يمارس الوعظ والإرشاد العدلُ؛ وفي تعريف العدل قال ابن عاصم في التحفة:
والعدل من يجتنب الكبائرا***ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان***يقدح في مروءة الإنسان
ورقص الدعاة والوعاظ والائمة هو من باب خوارم المروءة، يحط من قدر صاحبه، والسمعة هنا أولى بالاعتبار من فعل المباح أو المكروه؛ فالداعية أو الواعظ لا يصلح له من هاته الأمور ما قد يصلح لغيره، فإن رأس ماله -إضافة الى العلم- هو حسن الخلق والسمعة الطيبة، والناس مستويات في الادراك والفهم والحكم، والأفضل مراعاة الأحوال وترك ما يريب الناس ويشككهم في من يعتبرونه قدوة لهم، فإن كان الأكل في الطريق -مثلا- لا شيء فيه للعامة فهو من خوارم المروءة بالنسبة للعلماء والوجهاء؛ وكان الإمام الأوزاعي يقول: "كنا نضحك ونمزح، فلما صرنا يُقْتَدَى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم"؛ وقديما قيل:
إذا صار رب الدار بالطبل ضاربا***فلا تلم الصبيان في حالة الرقص
ثالثا: يكون حراما، وذلك إذا صاحبه منكر بأن كان على نغمات ماجنة صاخبة وبطريقة فاحشة فذلك مما لا يستوجب كبير دليل لإبانة حرمته بله كراهته، فيحرم لذلك المنكر لا لذاته. والله تعالى أعلم.
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
بعد صلاة العصر من يوم الجمعة
14 ربيع الأخير 1435هـ 14/2/ 2014م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا