تحذير المومنين العقلاء من اسباب انتشارالغلاء - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

تحذير المومنين العقلاء من اسباب انتشارالغلاء

اسم الخطيب : فضيلة الأستاذ  :رشيد المعاشي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ مَالِكِ خَزَائِنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، جَعَلَ الِاسْتِقَامَةَ مِفْتَاحًا لِلرَّخَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْأَمِينُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوةُ الْمُسْلِمُونَ:

يَعِيشُ الْعَالَمُ فِي الْآوِنَةِ الْأَخِيرَةِ ظَاهِرَةً انْتَشَرَتْ بِشَكْلٍ خَطِيرٍ، حَتَّى لَمَسَ أَثَرَهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَأَصْبَحَتْ حَدِيثَ النَّاسِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ، وَفِي شَاشَاتِ الْإِعْلَامِ وَالصُّحُفِ وَالْمَجَلَّاتِ، وَلَا يَزَالُ سُعَارُهَا يَزْدَادُ حَتَّى هَذِهِ اللَّحَظَاتِ، إِنَّهَا: ظَاهِرَةُ غَلَاءِ الأَسْعَارِ، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِـهَذَا الْيَـوْمِ الْمُبَـارَكِ السَّعِيدِ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: تَحْذِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، مِنْ أَسْبَابِ انْتِشَارِ الْغَلَاءِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَـةِ عَنَاصِرَ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: نَظْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى الْغَلَاءِ، فَارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ لَا شَكَّ أَنَّ لَهُ أَسْبَابًا مَادِّيَّةً مَحْسُوسَةً، كَتَقَلُّبَاتِ أَسْعَارِ الْعُمْلَاتِ، أَوْ حُصُولِ الْكَوَارِثِ فِي الْبُلْدَانِ الْمُصَدِّرَةِ لِلسِّلَعِ، مَعَ بَقَاءِ بُلْدَانِنَا مُجَرَّدَ شُعُوبٍ مُسْتَهْلِكَةٍ لَا مُنْتِجَةٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالتَّفْسِيرَاتِ الْمَادِّيَّةِ الْمَحْسُوسَةِ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَنْبَغِي أَنْ لَّا يَقِفُواْ عِنْدَ هَذَا التَّفْسِيرِ الْمَادِّيِّ، دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي نَبَّهَنَا إِلَيْهَا الشَّرْعُ الْحَكِيمُ، فَكُلُّ مَا يُصِيبُ الْعِبَادَ مِنَ الضَّنْكِ وَالْبَلَاءِ، وَالْمَصَائِبِ وَالضَّرَّاءِ، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَفَتْهُ أَيْدِيهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. 

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدَ اصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمُ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.  وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتَ اَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. يَقُولُ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْرِضِ تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَيْ: ظَهَرَ قِلَّةُ الْغَيْثِ وَغَلَاءُ السِّعْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ. لِذَلِكُمْ كَانَ الشِّعَارُ الْبَارِزُ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ أَنَّهُ: مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: طَرِيقَةُ مُوَاجَهَةِ الْغَلَاءِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا  مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ  إِذَا أَرَدْنَا رَفْعَ الْغَلَاءِ عَنْ مُجْتَمَعَاتِنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَى رَبِّنَا، وَنَسْتَغْفِرَهُ مِنْ خَطَايَانَا، وَخَاصَّةً فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ، لِأَنَّنَا أَصْبَحْنَا لَا نَتَوَرَّعُ عَنِ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ، لَا نَتَوَرَّعُ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الرِّبَا وَالْمِيرَاثِ وَالرَّشْوَةِ وَالْقِمَارِ وَالْغِشِّ وَالْكَذِبِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، مُتَحَدِّينَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ... 

فَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُعَامَلَاتِنَا، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ فِي كُلِّ أَفْعَالِنَا، هُوَ السَّبِيلُ إِلَى الرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَالرُّخْصِ بَعْدَ الْغَلَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.

 وَقَالَ سُبْحَانَهُ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. وَلِذَلِكُمْ يَقُولُ الْعُلَمَاءُ: اَلنَّاسُ وَالْأَشْيَاءُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ كَفَّتَيِ اِلْمِيزَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْإِنْسَانِ عِنْدَ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، اِنْخَفَضَتْ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ، وَانْخَفَضَتْ أَسْعَارُهَا، وَإِذَا انْخَفَضَتْ قِيمَةُ الْإِنْسَانِ عِنْدَ اللَّهِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي، اِرْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ، وَارْتَفَعَتِ الْأَسْعَارُ وَعَمَّ الْغَلَاءُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيمَتُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْخَفِضَ الْأَسْعَارُ.

نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَأَجَارَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْمُهِينِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَة

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: رِفْقًا بِالضُّعَفَاءِ، فَأَكْثَرُ النَّاسِ تَضَرُّرًا وَتَحَسُّرًا مِنْ هَذَا الْغَلَاءِ هُمْ طَبَقَةُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، كَثُرَتْ هُمُومُهُمْ، وَازْدَادَتْ تَأَوُّهَاتُهُمْ مَعَ كُلِّ غَلَاءٍ يَطَالُ سِلْعَةً مِنَ السِّلَعِ الْأَسَاسِيَّةِ، وَمِنْ عَلَامَاتِ بَقَاءِ الْخَيْرِ فِي هَذِ الْأُمَّةِ الرَّحْمَةُ بِهذِهِ الْفِئَةِ الضَّعِيفَةِ مِنَ النَّاسِ، وَخَاصَّةً مِنْ طَرَفِ التُّجَّارِ، فَلَا تَجُوزُ الْمُبَالَغَةُ فِي ثَمَنِ السِّلَعِ، بِذَرِيعَةِ ارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ، 

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اِبْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْــوَةُ الْمُسْلِمُــونَ –، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

اَلدُّعَاءُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا