خطبة الجمعة مكتوبة حول : شهادة الزور .عبدالله بنطاهر - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة مكتوبة حول : شهادة الزور .عبدالله بنطاهر


الحمدللهالذي منع الناس من شهادة الزور، ومنح على شهادة الحق الثواب والأجور، وأشهد أن لا إله إلا الله التواب الغفور، قرن بين شهادة الزور وعمل الجاحد الكفور، فقال سبحانه:

{فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}، وأشهد أن سيدنا محمدا رسوله وعبده الشكور، شهادة نزداد بها من الاقتداء به في جميع المسائل والأمور، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم في الجهاد الأسود والصقور، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى نهاية الأزمان والدهور.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته. قد قدمنا لكم سلسلة من الخطب في آفات اللسان؛ تناولنا فيها التلاعب بالطلاق، والشتائمَ والسباب، والغيبة والنميمة.

فتعالوا بنا اليوم نكشف الستار عن آفة أخرى من آفات اللسان وهي شهادة الزور، وقد امتلأت بها المحاكم والأسواق، وفتكت بالممتلكات والأرزاق، ولوثت في المجتمع النفوس والأذواق، وأفسدت بوسائل الإعلام السلوك والأخلاق؛ لقد ضربت بأطنابها في معاملاتنا، ولها جذور وفروع وثمار في محاكمنا، نعيش مرارتها في واقعنا، ونشعر بحرارتها في مجتمعنا؛ يمارسها محترفون، ولها سماسرة وزبائن، تعرض ملفاتها في المزادات السرية، مع اختلاف الأثمان حسب وزنها وقيمتها، من دراهم معدودة، إلى ملايين غير محدودة.

أيها الإخوة المؤمنون؛ إن الشهادة هي معيار لتمييز الحق من الباطل، وميزان يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، فهي بمنزلة الروح للحقوق.

فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة، وهي ضرورية لقيام الحياة الاجتماعية ولإصلاح ما يصحبها من أحداث وتصرفات، ووقائع ومعاملات، واتصالات وعلاقات.

قال إمام التابعين القاضي شريح -رحمه الله-: "الحكم داءٌ والشهادة دواءٌ فأفرغ الدواء على الداء".
لقد أمر الله تعالى بإقامة الشهادة لله دون خوف ولا طمع فقال: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}، فيجب إقامتها ولو على النفس، أو أقرب الأقربين، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}؛ ومدح القائمين بها فقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ}، لأنها أساس لإثبات الحدود، وطريق لإظهار الحقوق.

فالواجب إقامتها عن مشاهدة وعيان، وعن علم صحيح، وبيان واضح، قال تعالى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، ويقول عز وجل حكاية عن إخوة يوسف: {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا}...

وفي إقامة الشهادة أربعة أحكام:
وجوب التحمل
ووجوب الأداء
وتحريم الكتمان
وتحريم الزور.
1) أما وجوب التحمل فإن من دُعي إلى الشهادة على عقد أو تصرف أو حدث وجب عليه أن يتحمل تلك الشهادة، والله تعالى يقول في البيع والشراء: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، ويقول عز وجل في الطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، ويقول عز وجل في شأن تسليم الأموال والودائع: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}.

2) أما وجوب الأداء فهو فرض يقول الله عز وجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}، ومن امتنع عن الأداء فهو آثم.
3) أما الكتمان فهو أمر مذموم شرعًا، ومبغوض طبعًا، يكفي في ذلك قوله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}، ولم يحمِّل الله تعالى للقلب إثمَ أية جريمة إلا جريمة كتمان الشهادة، وجريمة التعتيم على الحقيقة؛ لأن الكتمان جرم عظيم والتعتيم إثم كبير، يقول الله تعالى: {ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين}، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- "شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك".

4) أما شهادة الزور فهي الجريمة العظمى والطامة الكبرى، وهي شهادة الإنسان على ما لا يعلم، أو شهادته بخلاف ما يعلم، وهي من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، واضحة الأضرار، سيئة الآثار، كثير الأوزار، تُحَوِّل الشهادة عن وظيفتها، فتكون سندًا للباطل بدل الحق، وعونًا للجور مكان العدل، كيف لا؟ وهي سبب لطمس معالم الإنصاف وطريقٌ لفساد الأحكام، وسبيل لتقويض الأمن والأمان، وأداة للتعتيم والتضليل.

قال الله تعالى في صفات عباد الرحمن: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرامًا}، وروى الترمذي أن النبيﷺ قام خطيبًا فقال: "أيها الناس عَدَلَتْ شهادةُ الزور إشراكًا بالله ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}"، وروى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا، فقال: ألا وقول الزور، قال: فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت".

إن شهادة الزور -يا عباد الله - ليست جريمة واحدة؛ بل هي جريمة مركبة من عدة جرائم، وزور يتشكل في كثير من الأوزار، وكبيرة وفي بطنها عدة كبائر؛ فهي تشتمل على الكذب وعلى النفاق، وعلى الظلم، وعلى الاعتداء، وعلى أكل أموال الناس بالباطل، وعلى تضليل القضاء، وعلى التعتيم الإعلامي، وغالبا ما تكون مصحوبة في المحاكم بجريمة الرشوة، لأن الذي يشهد ضد الحق لصالح الظلم، لا يفعل ذلك مجانا؛ بل يأخذ مقابل ذلك رشوة تعرضه للعنة العامة؛ فيكون ملعونا في الدنيا من ضميره، ثم من المظلوم الذي انتزع منه حقه بزروه ووزره، وفي الآخرة يكون ملعونا من الله ورسوله.

روى الإمام أحمد عن ثوبان قال: "لعن رسول اللهﷺ الراشي والمرتشي والرائش".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين  .
    
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ لقد ضربت هزة أرضية خفيفة مدينة أكادير في هذا الأسبوع؛ فشعر بها الناس، واستشعروا خطرها، وهي هزة صغرى تذكرنا بالزلزلة الكبرى؛

فقد جاءتنا فجأة دون سابق إنذار وهكذا زلزلة الساعة، فاهتزت الأرض تحت أقدامنا، وهكذا زلزلة الساعة التي ستحرك الأرض تحريكا عنيفا يزيل كل شيء عن محله، لتصبح الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ولا يمكن للعقل أن يدرك كنهها وحقيقتها؛

ولكن الله تعالى يعطينا في الدنيا بهذه الزلازل الصغرى أمثلة لما سيحدث في الزلزلة العظمى؛ فالزلازل التي تقع في مختلف المناطق في العالم لا تأتي الناس إلا بغثة، ولا تستطيع أية دولة مهما أوتيت من التقدم في العلم والتكنلوجيا أن تتنبأ بها قبيل وقوعها لدقائق وثوان؛ فتضرب لبضع ثوان وببضع درجات في سلم "ريختر" لتدمر كل شيء بإذن ربها في حدود مناطق نفوذها الترابية؛ ولنا أن تصور: كيف لو استمرت دقائق أو ساعات؟

وكيف لو زادت درجاتها إلى العشرات والمئات؟ فكيف لو تفاعل ذلك ليعم كوكبنا الأرضي كله؟ فكيف لو حدث مثل هذا في الكواكب الأخرى؟ فكيف لو اختل توازن الأجرام السماوية العملاقة؟ فكيف لو تصادمت المجرات في الكون لتشعل الذرات؟

إنها القنبلة الذرية العظمى إنها زلزلة الساعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على الرسولﷺ...

أئمةمروك - الخطيب عبدالله بنطاهر

هناك تعليق واحد:

  1. وفقكم الله لما راضيه وجنبكم مساخطه ومناهيه وجعل حال المسلمين خير من ماضيه

    ردحذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا