وقفة مع شهر الله المحرم - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وقفة مع شهر الله المحرم


من إعدادفضيلة الأستاذ: محمد زراك

الجمعة 7 محرم 1444 هـ - 05 غشت 2022 م

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، سبحانه وتعالى جعلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً لمن أَرَادَ أن يذَّكَرَ أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لنا يوم القيامة نورا وذُخرا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله أعظمُ الناس عبادة وبرا، كان يصوم يوم عاشوراء طاعةً لله وشكرا، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾   

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ إن من فضل الله على عباده ورحمتِه، أن يَسَّر لهم أبواب طاعته وعبادته، فما يكاد ينقضي وقتُ عبادة من العبادات، حتى يدخلَ وقت عبادة أخرى، حاملا معه الخيرات والبركات.

وها نحن قد دخلنا في السنة الهجرية الجديدة، بعد أن عِشْنا في نهاية السنة الماضية، مع عبادة الحج والأضاحي، والصيام والذكر وغيرها من الطاعات، نسأل الله أن يقبل منا ومنكم أجمعين.

أيها الصالحون! إن في مرور الأيام وانقضاءِ السنوات، عبرةً لمن أراد أن يَذّكَّر ويَتَّعِظ، ويتوبَ إلى الله ويستعدَّ للموت ولقائه، لأن كل لحظة... وكل ساعة... وكل يوم... وكل شهر... وكل سنة تَمُر في حياتنا، إلا وهي تُبعِد الإنسان عن الدنيا وتُقرِّبه من الموت،  ثم يكونُ الجزاء بالنعيم المقيم في الجنة، أو العذابِ الشديد في النار، نسأل الله السلامة والعافية.

لما حضرت الوفاةُ الإمامَ الشافعي رحمه الله قيل له : كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلًا، وَلِإِخْوَانِي مُفَارِقًا، وَلِكَأْسِ الْمَنِيَّةِ شَارِبًا، وَلِسُوءِ أَعْمَالِي مُلَاقِيًا، وَعَلَى اللَّهِ وَارِدًا، فَلَا أَدْرِي رُوحِي تَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا، أَوْ إِلَى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا! ، ثُمَّ بَكَى. 

فالإنسان مهما عاش فهو لا يدوم، والدنيا مهما طالت فهي تزول، ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها، لكان رسول الله حيَّا وباقيا، أين من عاشوا على هذه الأرض قبلنا؟ أين يوجدون الآن؟ إنهم تحت الأرض في اللُّحود والقبور، ونحن إلى ما صاروا إليه صائرون، فهم السابقون ونحن اللاَّحقون.

لكن كثيرا من الناس نسُوا هذه الحقيقة، فتراهم في دُنياهم غافلين، وعن عبادة الله وطاعته ساهين، كأنهم سيعيشون فيها خالدين، حتى إذا انقضت أيامُهم وجاءهم الموت، ورأوا الحقيقة رأي العين، تَمنَّوا لو تُعطَى لهم فرصةٌ اخرى في الحياة ليعملوا صالحا، لكن هيهات هيهات ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾  ألا فلنحرصْ  جميعا على أن نقدم لأنفسنا من صالِح الأعمال، ما ينفعنا عند الله يوم الحساب ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ 

أيها المؤمنون! إن السنة الهجرية يفتتحها شهرُ الله المحرم، وهو من الأشهر الحرم التي عظَّمها الله وشرفها، والأشهر الحرم هي محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، فالأعمال الصالحة فيها يَعظُم ثوابُها، والأعمال السيئةُ يعظم وِزرٌها، قال الله تعالى ﴿ إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ 

يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" أي في كلهن، ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرما، وعظَّم حُرُماتِهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظم.  

وَظُلمُ الإنسان نفسَه يشمل معنيين:

أحدهما؛ ظُلمُها بتعريضها لسخط الله وعقابِه وغضبه وعذابه، وذلك حين يُفَرِّط الانسان في الطاعات والعبادات، ويقع في المعاصي والسيئات، وهذا النوع من الظلم يغفره الله، لمن استغفر وتاب، ورجع الى الله وأناب، فهاهما آدم وحواء -عليهما السلام- لما وقعا في المعصية وأكلا من الشجرة المحرمةِ عليهما، بادَرَا بالتوبة والاستغفار فقالا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾  فتاب الله عليهما وغفر لهما، وكذلك يَغفرُ الله لكل المستغفرين، فنسأل اللهم تب علينا أجمعين.

وثاني أنواعِ الظلم: ظلمُ الإنسان غيرَه، بأن يعتديَ عليه في ماله أو عرضه، أو دمه أو حق من حقوقه، وهذا النوع من الظلم لا يُغفَرُ بالاستغفار، لأن الله لا يتركه أبدا حتى يأخذَ حق المظلوم من الظالم، والنبي ﷺ يأمرُ كل ظالم أن يرد المظالم الى أهلها في الدنيا، لأنه حتما سيردها أمام الله بحسناته ويؤدِّيهَا، فيقول ﷺ «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ». 

أيها المؤمنون! ولهذا الشهر مكانةٌ خاصة عند رسول الله ﷺ ، فقد كان ﷺ يحث على صيامه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قال رسول الله ﷺ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» . وإنما كان صومُ المحرم أفضلَ الصيام لأنه أولُ السنة الجديدة، فشُرع استفتاحُها بالصوم الذي هو أفضلُ الأعمال، كما أن في الحديث دليلاً على أن قيام الليل من أفضل التطوعات. فاللهم أعنا جميعا على طاعتك والتقرب إليك وحسن عبادتك، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله

 إن اليوم العاشر من محرم أي يوم عاشوراء، يومُ فرحٍ وشكر.

فأما كونُه يومَ فرح: فإن المسلمين يعيشون فيه ذكرى الفرح بنجاة سيدنا موسى عليه السلام، وهلاكِ فرعون وقومه، وهو حَدثٌ عظيم ينبغي الفرحُ به وتأمُّلُه.

فقد أعطى الله تعالى فرعون مُلكا عظيما، فظن فرعونُ أن القوة َكلَّها له، والرفعةَ والسيطرة، فَدعا الناسَ إلى أن يعبدوه من دون الله، وَعَلَا في الأرض وأفسد، يُذبِّح أبناء بني إسرائيل ويستحي نساءهم، لكن الله سبحانه وتعالى  دمّره وأهلكَه، وأَغْرقَه وجُنْدَه في يوم عاشوراء.

وإن في هلاك الظالمين  في كل زمان ومكان، إظهارا لقوة الله وعظمتِه، وكبريائه وجلاله، كما أن في هلاكهم راحةً للبلاد والعباد، فيعيشُ الناس  في راحة من ظُلمهم، ومَأمَنٍ من شَرِّهم.  

وأما كونه يومَ شُكر، فإن النبي ﷺ لما هاجر الى  المَدِينَة، وَجَدَ اليهود يَصُومُونَه ويُعظمونه، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا: هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ النبي ﷺ : "أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ" فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.  ومن الأفضل أن يصوم المسلم يوما قبله أو يوما بعده لكي يخالف اليهود، وقد بين النبي ﷺ أجر صيام يوم عاشوراء قائلا « أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» . إنه والله أجرٌ كثير، مقابل عملٍ يسير، فاللهم وفقنا لاغتنام هذا الأجر العظيم.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا