وقفاتٌ ثَلاَثٌ مع حديث: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وقفاتٌ ثَلاَثٌ مع حديث: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ

إعداد فضيلة الاستاذ: محمد زراك

الجمعة 28محرم 1444 هـ - 26 غشت 2022 م

الحمد لله الذي فتح أبواب رحمته لِمَن أذنب، نحمده سبحانه وتعالى على كل ما أعطى ورزق وأنعم وَوَهب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاشفُ الكُرَب، شهادةً نَنْعَم بها في الجنة حيثُ لا لغوٌ فيها ولا نَصَب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله سيدُ العجم والعرب، كان يَحُثُّنا على تقوى الله أينما كنا من صَوْبٍ وَحَدَبٍ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابِه أهلِ الأدب، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يومٍ يكون فيه إلى اللهِ المرجعُ والـمُنقلَب ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾   

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ 

إن معاملتَنا في هذه الحياة الدنيا، هي التي يُبْنى عليها جزاءُ الآخرة، فمن أحسن فله الحسنى، ومن أساء فله الدارُ الأخرى -نسأل الله السلامة-، فَكان وَاجبا على المؤمنِ أن يحسنَ معاملتَه كلَّها، سواءٌ مع الله تعالى، أو مع نفسه، أو مع الآخرين، وهذا الذي يوصينا به النبي ﷺ إذ يقول لأبي ذر رضي الله عنه: «يَا أَبَا ذَرٍّ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»  ولنا مع هذا الحديثِ ثلاثُ وَقَفات.

الوقفة الأولى؛ تُعلِّمنا كيف نَتعاملُ مع اللهِ ربِّنا، وتُوجِّهُنا إلى أن نتقيَ الله حيثما كنا، لأن الذي يؤمن بأن الله يراه أينما كان، سيخاف من غضبِ الله وعقابِه، وبَطْشِه وعذابِه، ويستحي أن يراه الله مُقصِّرا في طاعة، أو مرتكبا لمعصية، فمن عاش حياتَه بهذا المبْدَئ، فقد فاز وربِّ الكعبة، لأن التقوى هي التي تمنع الإنسان من الوقوع في الكذبِ والغش والخيانة، والزنا والربا وشربِ الخمر، وظلمِ الآخرين، وتضييعِ الصلاة، وتكون له التقوى حِجابا وسِترا، ومانعا يَـْمنعُه من الوقوع في سائر المحرمات.

فهذا ابن عمر رضي الله عنه مرَّ يوما براعي غنم، وأراد أن يعرف قَدْرَ تقواه، فقال له: بِعْني شاة، فقال الراعي: إنها لِسيدي وليست لي، فقال ابن عمر: خذ ثَمَنها وقل لسيدك أكلها الذئب! فقال الراعي: إن قلت له أكلها الذئب فأين الله؟  الله أكبر!! إنها قصة بسيطة لكنها تُبيِّن بوضوح، ما كان عليه الصالحون من تقوى الله، وكيف تكون التقوى حِصنا من الوقوع في المعصية.

وفي الصحيح أن رجلا  أراد أن يزنيَ بامرأة، ولما جلس منها ما يجلسُ الرجل من امرأته، قالت له: اتَّق الله، فلما سمع اسم الله تعالى خاف منه، واستحيى أن يراه مرتكبا للزنا، فقام وترك المرأة،  عجيب أمر التقوى! تجعل الإنسان طائعا مُنيبا  لله في كل أحواله، حريصا أن تكون أعمالُه وَفْقَ منهجِ الله ومرضاتِه.

ألا فلنتق الله -أيها الإخوة- أينما كنا، في سفرِنا وحضرنا، وفي سرِّنا وعلَنِنا، وفي بيوتنا وطُرُقِنا وأسواقنا، وفي أعمالنا وحِرَفِنا ووظائفنا، فإذا فعلنا ذلك فقد أصلحنا ما بيننا وبين الله، راجين أن نكون من الذين شمِلتهم هذه البشارة ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ 

الوقفة الثانية؛ نتعلم منها كيفيةَ التعاملِ مع أنفسنا، لأن كلَّ واحد منا أعلمُ بنفسه، وتعلمون أيضا أنه لا يوجد إنسان بدون الذنوبِ والأخطاء، إلا الأنبياء -عليهم السلام- وهذه الذنوب والأخطاء إن تركها الإنسان تَتَزايد وتتكاثر، وتَتَراكمُ وتتثاقل، فإنه هالكٌ لا مَحَالة، لذلك يرشدنا النبي ﷺ ويقول« وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» فأنت أعلمُ بنفسك... وأنت أعلم بذنوبك.... فكلما عمِلت سيئةً فأتبِعْها حسنةً، وكلما عملت معصيةً فأتبعها طاعة، لِتُمْحَى تلك المعاصي والسيئات، بالطاعات والحسنات، يقول الله تعالى ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ 

وسبب نزول الآية الكريمة رجلٌ من الأنصار، أصاب من امرأة قبلة، فندم على ما فعل، وبدأ يبحث عن طريقة يتخلص بها من الذنب، فجاء  إلى رسول الله ﷺ وأخبره بذلك، فقرأ عليه الرسول ﷺ قوله تعالى ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾  فقال رجل من القوم: هذا له خاصة؟ قال:لا، بل للناس كافة".  هذا الصحابي الجليل ، أخبره النبي  أن هذه الصلاة قد محت ما فعل.

فمن رحمةِ الله وفضلِه علينا، أن يسر لنا من الحسنات، ما يمحو به الخطايا والسيئات، كالصلواتِ الخمسِ في أوقاتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»  فالصلواتُ الخمس والجمعة والصيام، والحجُّ والعمرة والذكر والاستغفار، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وقيامُ الليل وقراءةُ القران، والصدقةُ والانفاق في سبيل الله وصلةُ الأرحام، وغيرُها من الأعمال الصالحة، كلُّها من الحسنات التي يمحو الله بها السيئات.

سيدنا عمر بن الخطاب ﷺ دخل في جِدال مع  رسول ﷺ في صلح الحديبية حتى غضب النبيﷺ  -والجدال مع رسول الله ﷺ خطأ عظيم- فكان عمر  بعد ذلك يقول: مازلت أصوم وأتصدق، وأصلي وأُعتق خوفاً من الذي صنعته مع النبي ﷺ، حتى رجوت أن يكون خيراً"  فهو عمِل كثيراً من الأعمال الصالحات، حتى يُكَفِّرَ عن الذي صار منه وفات.

وهكذا ينبغي أن يكون عليه المؤمن، أن يَتَتَبَّع كلَّ أخطائه وذنوبِه، وُيُكَفِّرَ عنها بالتقرب إلى الله ربِّه، بِـمُختلِفِ طُرق الخير وأبوابِه، فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا يارب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله؛

الوقفة الثالثة؛ نتعلم منها ضرورةَ الأخلاق الحسنة في التعامل مع الآخرين، كالتواضعِ والصدق والأمانة، والوفاءِ وحسنِ الجوار وإفشاء السلام، وحبِّ الخير للآخرين وقضاءِ حوائجهم، والصدقاتِ والإحسان، وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام وغيرِها... لكن أكثرَ الناس -إلا من رحم الله- يعيشون أزمة في الأخلاق، لا بر ولا إحسان، ولا كرامة ولا أخلاق. 

هؤلاء نسوا أن لـِمكارم الأخلاق منزلةً عظيمةً عند الله سبحانه، يقول رسول الله ﷺ «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا»  ويقول ﷺ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ»  ولا يتوقف فضلُ حُسنِ الخُلُق على ما يكون في الآخرة من الجزاء العظيم، بل يَشمل الدنيا أيضاً، فصاحب الخُلُق الحَسَنِ يملك قلوب الناس، وينال محبتَهم، ويكسب احترامَهم، ويصيرُ أفضلَهم.

 خطب الأشعثُ بن قيس يوماً في قومه – وكان سيدَهم- فقال: "إنما أنا رجل منكم، ليس فيَّ فضلٌ عليكم؛ ولكني أبسُط لكم وجهي، وأبذلُ لكم مالي، وأقضي حقوقكم، وأحوطُ حريمكم، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد عليَّ فهو خير مني، ومن زِدتُّ عليه فأنا خير منه" قيل له: ما يدعوك إلى هذا الكلام؟ قال: "أحضُّهم على مكارم الأخلاق" .

فحسِّنوا أخلاقكم يا عباد الله، وجاهدوا أنفسكم على لزومها والتَّحلي بها، يرفع الله مقامكم في الدنيا والآخرة، فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحْسَنِها إلا أنت، واصرف عنا سيِّئَها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يارب العالمين.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيمانا مع إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا