عيدُ الشباب وثورةُ الملكِ والشعب - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

عيدُ الشباب وثورةُ الملكِ والشعب

إعداد فضيلة الأستاذ : محمد زراك

الجمعة 21محرم 1444 هـ - 19 غشت 2022 م

الحمد لله الذي أنعم على الإنسان بمرحلة الشباب، نحمده سبحانه وتعالى أن فتح للشباب من أسباب الهداية كلَّ باب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزُ الوهاب، شهادةً تكونُ لنا نورا وسلامةً ونجاةً من العذاب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله الأواب، كان معصوما من الخطأ في الشيبة والشباب، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وكافةِ الأصحاب، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾   

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ تَحُل بنا في هذه الأيام، مناسبتان وطنيتان عزيزتان، مناسبةُ عيد الشباب، ومناسبةُ ذكرى ثورةِ الملك والشعب، وقد جرت عادتنا أن نقف على المناسبات الوطنية، ونسْتَلهِمَ منها العبرَ والعظاتِ النافعة.

معاشر المسلمين! في الواحد والعشرين من شهر غشت، في كل سنة، يَحُل بنا عيدُ الشباب، وهو اليوم الذي وُلد فيه جلالةُ الملكِ أميرِ المؤمنين محمدٍ السادسِ -نصره الله- وهو مناسبةٌ يُعبِّر فيها المغاربة عن حُبهم لِمَلِكِهم، ويتحدثون عن جهوده ومكاسبه، وإنجازاتِه وأعمالِه، التي قدَّمها في حياته، خدمةً لشعبه ودينه ووطنه، فنسأل الله تعالى أن يتقبلَ منه كل أعمالِه، ويجعلَها في ميزان حسناته.

وعيد الشباب مناسبةٌ للحديث مع الشباب، لنُصحِهم وإرشادِهم، وتوجيهِهم للتمسك بدينِهم، وتقوى الله في سائر أحوالهم، واغتنامِ هذه المرحلةَ في ما يُسعدهم في دنياهم وآخِرَتـِهم، لأن الاحتفال بعيد الشباب، كما قال الملكُ الراحلُ الحسنُ الثاني -طيب الله ثراه- "فرصةٌ يُتاح له فيها أن يُشِيدَ بالشباب ويَنصحَهم ويُخطّطَ لهم". 

عباد الله! نحن اليوم في أمس الحاجة للحديث مع الشباب، لأن مرحلة الشباب من أفضل مراحل حياة الإنسان، فهي مرحلة العمل والقوة، والعطاءِ والهمةِ العالية، يقول الله تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ ‌قُوَّةً»  والمعنى " أن الله يزيد في قوة الإنسان شيئا فشيئا حتى بلغ سِنَّ الشباب، واستوت قوتُه، وكَمُلت قُوَاهُ الظاهرةُ والباطنة".  

وإننا نتأسف حين نرى مِن شباب هذا الزمان، مَن فسَدت أخلاقُه، لاَ بِرَّ ولا إحسان، ولا دُنيا ولا أخلاق، ولا مستقبلَ ولا آفاق... فاللهَ اللهَ في أنفسكم أيها الشباب، فأنتم مستقبلُ هذه الأمة، منكم سَيكون العالم.. والقاضي.. والوزير.. والمعلم.. والطبيب.. والتاجر.. والموظف.. فإذا أصلحتم أنفسكم صلحت الأمة ُكلُّها، وإذا فسدتم فسدت الأمة جميعُها، والله المستعان!

أيها الإخوة! إن ربنا سبحانه وتعالى ذكر في القران الكريم، قَصص الكثير من الشباب، من الأنبياء والمرسلين، ليكونوا قدوةً للآخرين، فقد كانوا يَغتنمون ما وَهبَهم اللهُ من القوةِ في عبادة الله وطاعته، وفي وجوه الخير ونفعِ الآخرين.

فهذا سيدنا إسماعيلُ -عليه السلام- يُقدّم عُنُقه طاعةً لله تعالى، قال الله عز وجل على لسان إبراهيمَ -عليه السلام- «يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»  وإن المتأملَ لجواب سيدنا اسماعيل -عليه السلام- يُدرك كَمْ كان عاليَ الهمَّة في الحرص على الإحسانِ بأبيه وبِرِّه، إرضاءً لله تعالى وطاعَتَه، فاجتهدوا رحمكم الله في إرضاءِ الوالدين وبرِّهما، فإن رضى الله في رضاهما، وسخطَه في سخطهما.

وهذا سيدنا موسى -عليه السلام- اِستغل قُوته ونشاطَه في نفع الآخرين، وقضاءِ حوائج المستضعفين،  فعندما فَرَّ هاربا من فرعون، وَرد ماء مدين ووجد الناس يَسقون، ورأى امرأتين تنتظِران أن يَفرُغ الرجالُ حتى تسقيا، فلما عرف حاجتهما، تقدَّم فسقى لهما.

وكان نبي الله سيدنا عيسى -عليه السلام- يسعى في حاجة المرضى ومساعدة الفقراء، وينفعُ الناسَ أينما كان، قال الله سبحانه حكاية عنه-عليه السلام-  «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ»  أي جعلني نافعا للناس أينما توجهت. 

فنفعُ الآخرين، من أحب الأعمال إلى رب العالمين، فعن ابن عمر  قال: قال رسول الله ﷺ «أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم، أو تكشفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دينًا، أو تطردُ عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخ لي في حاجة أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا»  فكونوا في حاجاتِ إخوانكم، يُحببْكم الله ويَكنْ لكم في حاجاتِكم.

وهذا سيدنا يوسف -عليه السلام- عُرضت عليه الـمُـتعةُ الجنسية، من امرأة ذاتِ منصب وجمال، لكنه خاف من عذاب الله، واختار دخول السجن، بدل الوقوع في الفاحشة.

ما أحوج شبابنا اليوم، إلى الاقتداء بسيدنا يوسفَ -عليه السلام- في خوفه من الله تعالى، لمواجهة الفتن والشهواتِ، والمعاصي والمنكرات، المنتشرةِ في هذا الزمان، فبالخوف من الله نَسْلَمُ من هذه المعاصي ونَنجو مع الصالحين، ونفوز بدخول جنة رب العالمين، وصدق الله العظيم إذ يقول «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى  فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» 

فاللهم إن نسألك الفوزَ بالجنة والنجاةَ من النار، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله؛

وأما المناسبة الثانية، فإننا نعيش فيها ذكرى ثورة الملك والشعب المغربي، وانتفاضتِه في وجه الاستعمار الفرنسي، وذلك لما قامت السلطات الفرنسيةُ بِتَنحِيَةِ ونفيِ ملك البلاد آنذاك، جلالةِ المغفور له محمدٍ الخامسِ -طيب الله ثراه- فانتفض الشعب المغربيُّ ضد هذا الظلم، وسقط الكثيرُ من الشهداء، حتى تَمَّ رَدُّ ملكِ البلاد، إلى عرش أسلافِه الأمجادِ.

 وإن من الوفاء لهؤلاء المجاهدين الأخيار، والشهداء الأبرار، أن نُذَكِّر في هذه المناسبة، بأهمية الوحدة بين المسلمين، والأخذِ بكل ما يزيد المحبة بينهم ويجمع صفوفهم، والنهيِ عن كل ما يسبب البغضاء والعداوة ويشتت شملهم، قال الله تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»  والوِلاية معناها: هي النصرة والإكرام، والمحبة والاحترام، بين المحبوبين ظاهرًا وباطنًا.

والنبي ﷺ يربي الأمة  على  روح التآلفِ المحبة، والإيثارِ والأُخُوّة، ونَبْذِ أسبابِ العداوة والفُرقة، فيقول ﷺ " لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -، حَسْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ " 

هذا وإن الوحدة بين أفراد المجتمع لها أثر عظيم، على الناس أجمعين، وما سادت الوحدة في مجتمع إلا عَمَّ فيه الخير والأمان، والهناء والسلام، فعندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، حرَص على المحبة والاتحاد، والإخاء بين الصحابة الكرام، فأصلح الله أحوالهم، ونصرهم على من عاداهم، ورفع شأنهم، وأعلى مقامهم، ولن يَصلُح آخرُ هذه الأمة، إلا بما صَلُح به أوَّلُها، فاللهم ألف بين قلوبنا يارب العالمين.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين،

اللهم أمطر شآبيب رحمتك وغفرانك، على الملكين المجاهدين المصلحين، محمد الخامس والحسن الثاني، اللهم قدس روحهما في أعلى عليين في جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم ارحم جميع الشهداء وأسكنهم فسيح جناتك يارب العالمين اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيمانا مع إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا