الزَّوَاجُ وَأَهْدَافُهُ فِي الْإِسْلَام
ضمن سلسلة الزواج وأهدافه الجزء الأول
من اعداد فضيلة الاستاذ: رشيد الـمعاشي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَلَّ النِّكَاحَ، وَحَرَّمَ الْبِغَاءَ وَالسِّفَاحَ، وَخَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً، وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يَزَلْ بِعِبَادِهِ لَطِيفًا خَبِيراً، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
مِنَ الْعَادَاتِ الَّتِي دَرَجَ عَلَيْهَا النَّاسُ، إِقَامَةُ الْأَعْرَاسِ فِي الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ، وَهَذَا – وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ مَا زَالَ مَوْجُودًا فِي شَبَابِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي التَّحَصُّنِ وَالْعَفَافِ، لِذَلِكُمْ سَنُخَصِّصُ بَعْضًا مِنْ خُطَبِنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – لِلْحَدِيثِ حَوْلَ مَوْضُوعِ الزَّوَاجِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا الِافْتِتَاحِيَّةِ لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ هُوَ: الزَّوَاجُ وَأَهْدَافُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَسَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الزَّوَاجِ وَحُكْمُهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَالزَّوَاجُ فِي اللُّغَةِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هُوَ: الِاقْتِرَانُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ. أَيْ قَرَنَّاهُمْ، وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اِقْتَرَنَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَهُمَا (زَوْجَانِ)، وَأَمَّا الزَّوَاجُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ: مِيثَاقُ تَرَاضٍ وَتَرابُطٍ شَرْعِيٍّ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، غَايَتُهُ الْإِحْصَانُ وَالْعَفَافُ وَإِنْشَاءُ أُسْرَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ بِرِعَايَةِ الزَّوْجَيْنِ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالزَّوَاجُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إذَا خَافَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطَبًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ – أَيْ: كُلْفَةَ الزَّوَاجِ وَمُؤْنَتَهُ – فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ... أَيْ: أَشَدُّ عَوْنًا لِلْمَرْءِ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ، وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْحَرَامِ، وَأَشَدُّ إِحْصَانًا لِلْفَرْجِ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: أَهْدَافُ الزَّوَاجِ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ وَضَعَ دِينُ الْإِسْلَامِ لِلزَّوَاجِ أَهْدَافاً تَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ مَنَاحِي الْحَيَاةِ، وَمِنْ أَبْرَزِهَا:
اَلْهَدَفُ الْأَوَّلُ: تَعَبُّدِيٌّ، فَالزَّوَاجُ عِبَادَةٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ إِذَا اسْتَحْضَرَ فِي نِيَّتِهِ أَنَّهُ يَمْتَثِلُ بِذَلِكَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ... وَرَوَى ابْنُ مَاجَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: النِّكَاحُ مِن سُنَّتِي، فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، و تَزَوَّجُواْ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ...
اَلْهَدَفُ الثَّانِي: اِجْتِمَاعِيٌّ، وَهُو تَوْثِيقٌ عُرَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَالتَّعَارُفُ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... وَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَبَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ لِلرَّبْطِ وَالتَّأْلِيفِ بَيْنَهَا، كَمَا تَزَوَّجَ بِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَزَوَّجَ بِنْتَيْهِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى، لِيَرْتَبِط أَكْثَرَ بِأَصْحَابِهِ، وَيُعَزِّزَ الْأُخُوَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ بِالْمُصَاهَرَةِ.
اَلْهَدَفُ الثَّالث: اِقْتِصَادِيٌّ، فَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ الزَّوَاجَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ، فَأَمَرَ بِهِ وَوَعَدَ عَلَيْهِ بِالْغِنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم. رَوَى ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: أَطِيعُواْ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ النِّكَاحِ، يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ بِهِ مِنَ الْغِنَى. وَرَوَى ابْنُ حَجَرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تَزَوَّجُواْ النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِيَنَّكُمْ بِالْمَالِ. يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ يُغْدِقُ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ عَلَى الْمُتَزَوِّجِينَ.
اَلْهَدَفُ الرابع: أَخْلَاقِيٌّ، فَالْإِسْلَامُ جَعَلَ مِنَ الزَّوَاجِ وَسِيلَةً فَعَّالَةً لِحِمَايَةِ الشَّبَابِ مَنَ الِانْحِلَالِ الْأَخْلَاقِيِّ، لِذَلِكُمْ اِخْتَصَّ الشَّبَابَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ – أَيْ: كُلْفَةَ الزَّوَاجِ وَمُؤْنَتَهُ – فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ... أَيْ: أَشَدُّ عَوْنًا لِلْمَرْءِ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ، وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَأَشَدُّ إِحْصَانًا لِلْفَرْجِ.
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
اَلْهَدَفُ الخامس: صِحِّيٌّ، فَالزَّوَاجُ صِيَانَةٌ لِلْمُجْتَمَعِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الْخَطِيرَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْفَتَّاكَةِ الَّتِي تَشِيعُ بَيْنَ النَّاسِ بِسَبَبِ الْفَوَاحِشِ، رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُواْ بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْاْ...
وَالْخُلَاصَةُ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -: أَنَّ لِلزَّوَاجِ أَهْدَافاً يَنْبَغِي سَعْيُ الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِهَا لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ النَّفْعُ لِلْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَيَسْعَدَ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
اَلدُّعَاءُ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا