أَثَرُ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

أَثَرُ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ

من اعداد فضيلة الأستاذ : رشـيد الـمـعاشـي

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، أَبَاحَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ التَّرْوِيحَ عَنِ النَّفْسِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى النَّاسِ بِخَيْرِ الْأَدْيَانِ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآن،ٍ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ حَتَّى نَقِفَ جَمِيعاً بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الدَّيَّـــــانِ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوةُ الْمُسْلِمُونَ:

سَنُكْمِلُ حَدِيثَنَا وَإِيَّاكُمْ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - عَمَّا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِهِ أَثْنَاءَ الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الذِي تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ يَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَيَجْعَلَ مِنَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، أَمَّا الْيَوْمَ فَسَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ هُوَ: تَحْذِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، مِنْ خَطَرِ الْمَعَاصِي عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ: 

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: اَلْمَفْهُومُ السَّلْبِيُّ لِلْعُطْلَةِ، فَالْآفَاتُ كُلُّهَا نَاشِئَةٌ عَنِ الْفَهْمِ الْخَاطِئِ لِـ(الْعُطْلَةِ)، لِأَنَّ (الْعُطُلَ) فِي اللُّغَةِ هُوَ: الرَّجُلُ الَّذِي لَا سِلَاحَ مَعَهُ، وَ(التَّعْطِيلُ) هُوَ: التَّفْرِيغُ وَالْإِخْلَاءُ وَتَرْكُ الشَّيْءِ بِلَا عَمَلٍ، وَ(الْمُعَطَّلَةُ) مِنَ الْإِبِلِ هِيَ: الَّتِي لَا رَاعِيَ لَهَا، وَيُقَالُ: (تَعَطَّلَ) الرَّجُلُ أَيْ: بَقِيَ بِلَا عَمَلٍ، وَلِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ فَقَدْ تَسَرَّبَ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ إِلَى وَاقِعِنَا، فَصَارَ مَعْنَى الْعُطْلَةِ عِنْدَنَا هُوَ: تَسْوِيغَ ضَيَاعِ الْأَوْقَاتِ، وَإِمْضَاءَهَا فِي التَّفَاهَاتِ، أَوْ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَكَأَنَّنَا لَمْ نَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.

 قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعْنِي إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا وَقَطَعْتَ عَلَائِقَهَا، فَانْصَبْ فِي الْعِبَادَةِ، وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ، وَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ النِّيَّةَ وَالرَّغْبَةَ. وَقَدْ مَرَّ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْماً عَلَى صِبْيَانٍ أَمْضَوْاْ عَامَّةَ يَوْمِهِمْ فِي اللَّعِبِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ فَقَالُواْ: فَرَغْنَا، فَقَالَ: أَوَ بِهَذَا أُمِرَ الْفَارِغُ؟ أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ؟.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: شُؤْمُ الْمَعْصِيَةِ، فَكُلُّ هَذِهِ الْمَآسِي الْمُتَلَاحِقَةِ الَّتِي تَعِيشُهَا مُجْتَمَعَاتُنَا، إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ جُرْأَتِنَا عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا الَّذِي كَانَ سَبَباً فِي هَلَاكِ قَوْمِ عَادٍ بِالرِّيحِ الْعَاتِيَةِ؟، وَمَا الَّذِي كَانَ سَبَباً فِي هَلَاكِ قَوْمِ ثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ؟، وَمَا الَّذِي كَانَ سَبَباً فِي هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِالْغَرَقِ؟، وَمَا الَّذِي كَانَ سَبَباً فِي هَلَاكِ قَارُونَ بِالْخَسْفِ؟،

إِنَّهُ شُؤْمُ الْمَعَاصِي وَالْمُوبِقَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصْ فَفُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَالِساً وَحْدَهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ، مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَضَاعُواْ أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمِلْكُ، تَرَكُواْ أَمَرَ اللَّهِ فَصَارُواْ إِلَى مَا تَرَى.

نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: فَضْلُ الِاسْتِقَامَةِ فِي الدَّارَيْنِ، فَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ اللَّهِ تَعَالَى تَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، بِهَا تَتَحَقَّقُ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَبِهَا تَعُمُّ الْخَيرَاتُ وَالْبَرَكَاتُ، وبِهَا يَسْعَدُ الْأَفْرَادُ وَالْمُجْتَمَعَاتُ، وَمَنِ انْحَرَفَ عَنْهَا تَاهَ فِي غَيَاهِبِ الْأَهْوَاءِ، وَتَعَرَّضَ لِكُلِّ شَرٍ وَبَلَاءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. 

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوفٌ عَلَيهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِـهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَدَاوِمُواْ عَلَى طَاعَتِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

اَلدُّعَاءُ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا