نظام المحافظة على البيئة في الإسلام - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

نظام المحافظة على البيئة في الإسلام


من إعداد : فضيلة عبدالله بنطاهر

العنوان الأصلي : المحافظة على البيئة في الإسلام بمناسبة الحملة الوطنية التحسيسية للوقاية من حرائق الغابات.

تذكير :وكعادته دائما في خطبه ومنشوراته جزاه الله خيرا

 يطلب منا أمرين: 1) الدعاء له -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.2) غض البصر - بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

الحمد لله الذي سخر لنا ما في الأرض من الخيرات، وشرع لنا الانتفاع بما فيها من الحيوانات، وأنعم علينا فيها بنعم الأشجار والنباتات، وألهمها بالإنتاج والثمرات، ونهانا عن الإسراف في استغلال الثروات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأسماء والصفات، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة لجميع المخلوقات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات، وعلى التابعين لهم بإحسان مادامت الأرض والسماوات. 

 أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته. 

تواجه الغابات سنويا في فصل الصيف حرائق تتلف ما يفوق (3000 هكتار) بمعدل (460 حريقا)، وأغلب هذه الحرائق تقع بسبب تصرفات بعض الناس؛ سواء عن طريق الإهمال أو السهو أو اللعب أو حتى بشكل متعمد، ولهذه الحرائق آثار وخيمة على مستوى تراجع الغطاء الغابوي واختلال التوازن البيئي، علاوة على أن إخمادها يكلف الدولة أعباء مادية مهمة مع المخاطر التي تهدد سكان تلك المناطق ورجال الإطفاء؛ والإسلام دين تعاون وتكافل وتراحم وتعاطف، ودين صالح لكل زمان ومكان، ودين عالمي يدعو للمحافظة على الأرض وطبيعتها وبيئتها؛ ومساهمة من منبر الجمعة في إطار هذا التحسيس نخصص خطبة اليوم للبيئة ووجوب المحافظة عليها شرعا. 

فما المراد بالبيئة الطبيعية التي يجب المحافظة عليها؟

إن البيئة بتعريف مبسط تعني كل ما خلقه الله على هذه الأرض لصالح البشر؛ إنها هذا الهواء النقي الذي نستنشقه، إنها هذا الأكسجين الذي نتنفس به في كل لحظة من لحظات حياتنا؛ إنها هذا الماء العذب الصافي الذي نروي به ظمأنا، ونسقي به زرعنا وغرسنا وأنعامنا ودوابنا، هذا الماء الذي نجده ينساب في منابعه من العيون والآبار، وفي الأنهار والبحار؛ إنها هذه المناطق الخضراء من النباتات والأزهار والأغراس والحدائق والأشجار، إنها هذه المتنزهات التي نرتادها وننتعش بخضرتها، إنها هذه الغابات التي تغطي في بلادنا مساحة تصل تقريبا إلى (9 ملايين و 37 ألف و 714 هكتارا)، إنها هذا البحر الذي يمتد ويمدنا بخيرات عظيمة فنأكل منه لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها؛ 

فالبيئة هي كل هذه الأشياء المفيدة للإنسان والضرورية لحياته، وقد ذكرها القرآن الكريم وذكرنا بها وحمل الإنسان المسؤولية عليها تنمية وتدبيرا، ونهاه عن إفسادها تمويتا وتدميرا؛ قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.

أيها الإخوة المؤمنون؛ إن الخبراء اليوم يدقون ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى، ويوجهون النداءات لوقف ما يسمى باستنزاف البيئة على العموم لقد أصبحت هذه المشكلة تهدد الحياة على كوكبنا الأرضي، كل ذلك بفعل الإنسان المتحضر، في العصر المتنور، لقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو بما كسبت أيدي الناس، فأصبح لزاما على الجميع أن يتعاونوا لدرء هذا الفساد الذي يضر بالجميع وإن تسبب له القليل، وخصوصا التسبب في إحراق الغابات؛ قال سبحانه وتعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}.

ترى يا عباد الله؛ هل من حل في الإسلام لمشكل الإضرار بهذه البيئة؟ وإذا أردنا أن نبحث عن حل لأي مشكل فلا بد من معرفة أسبابه، ويبحث الباحث فلا يجد سببا لمشكل البيئة إلا الإسراف، لقد أسرفوا في المواد الكيماوية فلوثوا الهواء والماء، وأسرفوا في استعمال الماء فقل، وأسرفوا في الصيد البحري، فانقرضت خيرات البحار، وأسرفوا في قطع الأشجار وحرق الغابات، فانتشر التصحر؛ إذن السبب الرئيسي لمشكل البيئة هو الإسراف، بل إن الإسراف في مفهومه اللغوي، ينطبق تماما على التعريف الاصطلاحي للتلوث، فعلماء البيئة، يعرفون التلوث بأنه: وجود مادة أو طاقة في غير مكانِها أو في غير زمانِها أو بغير كميتها المناسبة، والإسراف: هو مجاوزة الحد أو وضع الشيء في غير محله، فكلا التعريفين واحد، إذن التلوث هو الإسراف. 

أيها الإخوة في الله! إن الحل في الإسلام لمشكل البيئة يتمثل فيما يلي:

●أولا: في تحريم الإسراف بكل أنواعه وأشكاله يقول الله سبحانه وتعالى: {ثم صدقناهم الوعد، فأنجيناهم ومن نشاء، وأهلكنا المسرفين}، ويقول سبحانه: {وإذا أردنا أن نهلك قرية، أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميرا} ويقول تعالى: {ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}، ويقول تعالى: {ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين}، وروى ابن ماجه، أن النبيﷺ مر على سعد بن وقاص، وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف»؟ فقال: أفي الوضوء إسراف يا رسول الله؟ قالﷺ: «نعم ولو كنت على نَهر جار». 

●ثانيا: لقد عالج الإسلام مشكل البيئة بالنظافة، فقالﷺ: «إن الله نظيف يحب النظافة»؛ ففرض غسل الأبدان والأثواب، ومنع تلوث الشوارع بالأزبال والنفايات، لأن تكديس النفايات من أسباب الوفيات؛ بل جعل الإسلام تنظيف الشوارع من الإيمان، قال رسول اللهﷺ: «إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان» وقالﷺ فيما روى الترمذي: «نظفوا ساحاتكم...»، وفي رواية الطبراني: «طيبوا ساحاتكم...». 

ومع الأسف الشديد، فشوارعنا؛ بل ومدننا لم تكن في مستوى ما تدعو إليه شريعتنا، فأغلبية الأسر يفرغون الأزبال في الشوارع، وعلى قارعة الطريق، رغم وجود الحاويات، فتكون هذه الأزبال مصدرا للروائح الكريهة، ومزرعة خصبة لتوالد شتى أنواع الجراثيم، التي توزع العديد من الأمراض والأوبئة، وتلوث البيئة.

●ثالثا: لقد عالج الإسلام مشكل البيئة، بالحفاظ على الثروة الحيوانية؛ بل كان الإسلام سباقا في هذا المجال، قد سبق غيره من المنظمات الخضراء اليوم، فكان الرسولُﷺ أولَ من حرم قتل الحيوانات بدون منفعة، وبدون دفع مضرة، وأول من منع اتخاذ الحيوان هدفا من أهداف اللهو واللعب، فقتل الحيوان في الإسلام لا يجوز إلا لأمرين: من أجل الانتفاع به كالأكل مثلا، أو من أجل دفع مضرته، وفي هذا يقول الرسولﷺ فيما روى النسائي

: «ما من إنسان فتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال يذبحها فيأكلها ولا بقطع رأسها يرمى بها»، ويقول الرسولﷺ فيما روى النسائي وابن حبان: «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله -أي رفع صوته إلى الله- بالشكوى يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة»، هذا مجرد عصفور واحد، يرفع الشاكية إلى الله ضد هذا الإنسان، الذي قتله بدون منفعة، وروى أبو داوود والترمذي عن جابر قال: «نهى رسول اللهﷺ عن التحريش بين البهائم».

●رابعا: إن الإسلام في حملته للحفاظ على البيئة الطبيعية، يحث على التشجير، وغرس النباتات النافعة، مهما كانت الظروف قاسية، ولا أدل على ذلك من قول الرسول اللهﷺ فيما روى البخاري: «إذا قامت القيامة، وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها فليفعل، فله بذلك أجر»، ويقولﷺ فيما روى البخاري: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة»، وبذلك كان النبي الأميﷺ أولَ من دعا لحملة التشجير في العالم. 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين..

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين… أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ 

مما سبق نستخلص أن السبب الرئيسي في تلوث البيئة الطبيعية وفي انتشار حرائق الغابات بهذا الشكل هو تلوث البيئة الإيمانية؛ فتلوث البيئة الإيمانية هو مكمن الداء ورأس الأدواء؛ ما ضاع شرع الله إلا بتلوثها، وما انتشر الشره إلا بتلوثها، وما أدمنوا على التدخين والمخدرات والخمور إلا بتلوثها، وما ضاعت حقوق الإنسان إلا بتلوثها،

 وما ضاعت الثقة والأمانة إلا بتلوثها، وما ماتت الضمائر الحية إلا بتلوثها، وما عانت الإنسانية من الحروب والتقتيل والتشريد إلا بتلوثها،  وما سقطنا في متاهات تلوث البيئة إلا حين تلوث الإيمان، وما أسرفوا في المواد التي تضر إلا حين تلوث الإيمان بالطمع، وما أسرفوا في إبادة الحيوانات وحرق الغابات وقطع الأشجار إلا حين تلوث الإيمان بالأنانية والشره. 

والرسولﷺ يقول: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب الأمر بنفسه». والله تعالى يربط بين البيئة الطبيعية والبيئة الإيمانية فيقول: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم}، ويقول سبحانه: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}، والرسولﷺ يربطﷺ بين البيئة الإيمانية والبيئة الطبيعية، وييبن لنا أن إزالة أي أذى يضر بالإنسان في بيئته دليل على صدق الإيمان؛ فيقول: «إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان». 

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا