ظاهرة الرشوة وأثرها السيء في المجتمع :خطبة مكتوبة
تعالوا بنا اليوم نكشف الستار عن قضية خطيرة، تهلك الأخضر واليابس في المجتمع، إنها عدو تفسد الأخلاق، وتلوث الأذواق، وتنجس الأرزاق، إنها عدو للإنسانية ...
أئمة مروك : خطبة جمعة لأخينا الفاضل سيدي عبد الله بن طاهر خطيب جمعة في أكاديرـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء من عباده لما يحب ويرضاه، وفضل الصالح على الطالح واجتباه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، حذر المؤمن من مخاطر الرشوة ونهاه وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، طوبى لمن اقتدى به ووالاه، وويل لمن أعرض عن شرعه وعاداه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان هواهم تبعا لهواه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
تعالوا بنا اليوم نكشف الستار عن قضية خطيرة، تهلك الأخضر واليابس في المجتمع، إنها عدو تفسد الأخلاق، وتلوث الأذواق، وتنجس الأرزاق، إنها عدو للإنسانية، عدو للأنقياء الأتقياء الأصفياء، إنها دليل على الشره والطمع، والسفه والجشع، كم من حقوق لعباد الله ضاعت بها! وكم من حكم لله عطل بها! وكم من باطل أصبح بها حقا! وكم من حق أصبح بها باطلا! وكم من رفيع وضعته! وكم وضيع رفعته! وكم من نفس مظلومة حولتها إلى ظالمة! وكم من ظالمة أصبحت بها مظلومة! وكم من كسول تبوأ بها المناصب المرموقة التي لا تليق به، لقد بيعت بها الأصوات والكراسي والمناصب، واشتريت بها الذمم والهمم والضمائر، لقد ضاعت بها الأمانة، وانتشرت بها الخيانة، وانتهكت بها الحرمات، وضاعت بها الفرائض، واعتدي بها على حدود الله، يا ما أُسِّدت الأمور بسببها لغير أهلها! يا ما جنت من فضائح عبر الإنترنيت على بلادنا!
أتدرون ما هي هذه القضية الخطيرة؟ وهل تعلمون ما هو هذا العدو اللدود؟
إنه الرشوة والارتشاء! إنه الوجوه المشبوهة المشوهة! إنه الوساطة والمحسوبية! إنه الزبونية والزبانية!
أيها الإخوة المؤمنون؛ إن الرشوة مرض اجتماعي خطير، اتفقت أمم الأرض كلها، وأنظمتها جميعها، وكل الشرائع بأنواعها وأشكالها، سماوية وأرضية على أن الرشوة جريمة خطيرة، وصاحبها مجرم أخطر، يستوجب العقوبة دنيا وأخرى، ولا توجد في الدنيا دولة تجيز في قوانينها الرشوة مهما كانت عقيدتها، ورغم ذلك فقد مرضت بها أيدينا فطغت على معاملاتنا، ونجست بأثرها السيئ طهارة قلوبنا، وكدرت صفاء أموالنا، ولوثت في العالم سمعة بلادنا، لقد اختلط بها الحلال بالحرام فجعلتنا نعرض أنفسنا يوم القيامة لحساب عسير: من أين اكتسبنا هذا المال؟ وفيما أنفقنا هذا المال؟
وأقبح من ذلك كله أن من الناس من يجعل العمرة والحج رشوة؛ فيأخذ الذين يقضون له الأغراض هنا لأداء الحج والعمرة! ألا بئس ما صنع! وبئس ما دفع! فقد خسر الدنيا و الآخرة؛ لأنه عرض نفسه للعنة الله ورسوله؛ فكيف تتحول العبادة من العمرة والحج إلى لعنة الله عليه؟
إن حكم الله تعالى وحكم المجتمع والتاريخ على من يأخذ الرشوة أو يدفعها، أو يتوسط من أجلها واضح وجلي، إنه اللعنة والطرد والإبعاد؛ روى أبوداود والترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: «لعن رسول اللهﷺ الراشي والمرتشي» وفي رواية الإمام أحمد عن ثوبان قال: «لعن رسول اللهﷺ الراشي والمرتشي والرائش» أي الذي يأخذ الرشوة، والذي يدفعها، والذي توسط من أجلها، فالكل ملعون ومطرود من رحمة الله، روى الطبراني أن النبيﷺ قال: «الراشي والمرتشي في النار»، وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص أن الرسولﷺقال: «ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، (أي الجدب والقحط) وما من قوم يظهر فيهم الرّشا إلا أخذوا بالرعب». وأول هذا الرعب أن صاحبها يأخذها أو يدفعها في خفة وخفاء خوفا من أن يراه الناس.
إن الرشوة -يا عباد الله- داء عضال؛ يتحاشى حتى أولئك الغارقون فيها، والمتعاملون بها، ذكرها وتسميتها، فمنهم من يسميها شي بركة! وهي ممحوقة من كل بركة، ومنهم من يسميها التدورة! وسوف تدور بهم في النار وبئس المصير، ومنهم من يسميها هدية! وقد زاغت عن طريق الهداية، ومنهم من يسميها إحسانا! وهي إساءة لدين وعرض وشرف الراشي والمرتشي والرائش، وإنك لترى الذي يأخذ الرشوة، أو يدفعها، يراقب عيون الناس حتى لا يراه أحد، فيتسلمها أو يسلمها، في اختلاس وخفة وخفاء، كأنه يقضي حاجته من بول أو غائط، ولا شك أن هذا من فعل الجبناء، وهي والله أنثن من البول والغائط، تجعل صاحبها منتن الأخلاق، فاسد الأذواق، خبيث الأعماق، أتحدى من يسمها إحسانا أو هدية أن يأخذها في العلن، أو يرفعَ بها رأسه، ولهذا سماها القرآن الكريم باسمها الصحيح الموافق، سماها إثما وباطلا وسحتا والعرض الأدنى من الدناءة وهي الخبث والخسة وصاحبها خبيث وخسيس؛ قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وقال تعالى فيمن يتعامل بها من اليهود: {سماعون للكذب أكالون للسحت} وقال تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه}.
يا من يأخذ الرشوة أو يدفعها فيسميها إحسانا وهدية؛ تدبر معنى هذا الحديث الشريف، فقد أخرج البخاري ومسلم أن رجلا اسمه ابن اللتبية، كلفه الرسولﷺ بجمع الصدقات، فلما جاء بها بدأ يقول: هذا للصدقة، وهذه هدية أهديت إلي، فاستدعى الأمر خطبة طارئة من النبيﷺ حتى يربي ويصحح الخطأ، فقام على المنبر فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع رسول اللهﷺ يديه إلى السماء فيقول: «اللهم هل بلغت».
يا من يسمي الرشوة هدية؛ هل ترك لك رسول اللهﷺ فيها مدخلا؟ لا تستغل وظيفتك من أجل الرشوة ثم تقول: إنها مجرد إحسان وهدية، فلا ينبغي للمسلم أن يكون من الذين يقولون: إن الله غفور رحيم سيغفر لنا لأنه عز في علاه أيضا شديد العقاب، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}. فمن كان كذلك فأشياخه هم اليهود الذين قال الله تعالى فيهم: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه}.
فإلى متى نعرض أنفسنا للعنة الله ورسولهﷺ؟ إلى متى نبيع ضمائرنا بالرشوة الحرام؟ إلى متى نغمس أنفسنا في مستنقعات رذائلها؟ إلى متى نستثمر ضمائرنا في الحرام؟ إلى متى نسمي الأشياء بغير مسمياتها؟
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين...
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون!
حافظوا على سنة نبيكمﷺ في معاملاتكم، أفيقوا أيها الناس، وأعلموا أن البلاد لن تبنى بالرشوة، ولن تصلح بالفساد، وأن الأمم لا تتقدم إلا بالعدل والأمانة، إلا بالثقة والمصداقية، ألا فتمسكوا بتقوى الله عز وجل! ألا فحصنوا بها أنفسكم ضد المتعاملين بالرشوة، لا تكونوا آخذين، ولا دافعين، ولا وسطاء، ألا فكونوا عند قول نبيكمﷺ إذ يقول فيما روى الطبراني: «خذوا العطاء مادام عطاء، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنهم سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن عصيتموهم قاتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم: نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله».
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

هذه خطبة بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب. : عبد الله بن طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا