خطبة جمعة حول ظاهرة الخصام المستشري بين الزوجة وأم الزوج ..!
سيدي عبد الله بن طاهر التناني
السوسي خطيب جمعة بأكادير

خطبة جمعة بموضوع : ظاهرة الخصام المستشري بين الزوجة وأم الزوج
في إطار وصف الداء والبحث عن الدواء
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
جاءني سؤال في بحر هذا الأسبوع عبر شبكة الأنترنيت العنكبوتية، يتعلق بظاهرة عمت به البلوى، وانتشرت به العدوى، وصعبت فيه الفتوى، واستعصت في الناحية القصوى؛ ظاهرة عويصة لا تكاد أسرة تنجو منها، تكدر صفو سعادتها وتدمر أسسها، فتتحول بها المحبة إلى الكراهية، ويتحول بها مبدأ التحاور إلى التنافر والتناحر، وتتحول بها الرحمة بين الزوجين إلى بغض وكيد ومكر، وتتحول بها السعادة إلى التعاسة، ذلكم هذا الخصام المستشري، وهذا النزاع المستفحل بين الزوجة من جهة وأم الزوج من جهة أخرى. ودور خطبة الجمعة ليس هو الفتوى والإفتاء؛ بل هو وصف الداء والبحث عن الدواء.
أيها الاخوة المؤمنون؛ قد يكون هذا الخصام بين الزوجين، وقد يتجاوزهما إلى أم الزوج، وقد يستفحل أمره فيكون بين أهل الزوج وأهل الزوجة جميعا.
أما بين الزوجين فإذا كان بين فيئة وأخرى، فهو شيء طبيعي، لا يكون إلا كسحابة صيف لا يلبث أن ينقشع، فتطلع شمس المحبة مرة أخرى صافية، هذا إذا كان الزواج أصلا مبنيا على التساكن والمودة والرحمة، كما قال الله تعالى: (ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). أما إذا كان الزواج بينهما مبنيا على البغض والحقد والكراهية، فسيتنافسان غالبا في الخصام، حتى يكون الأكسجين الذي يتنفسان؛ لأن كل واحد منهما يرى الآخر مستعمرا له، ثقيلا على مشاعره، فإن سلمت الأحوال تبادلا المشاعر الكاذبة؛ فالخصام في هذا النوع من الزواج لا يكون كسحابة صيف؛ بل كضربة سيف، إن لم تقطعه الأسرة بالصبر والتضحية المتبادلة، قطعها بالفراق والطلاق، قطعها بتشتيت الأسرة والأبناء. والضحية والله هم الأبناء حين يكون الزوجان عدوين لدودين، لا يرحم أحدهما الآخر، ولا يجب أحدهما الآخر ولا يحترم أحدهما الآخر.
أما الخصام بين الزوجة وأم الزوج -وهو موضوع التساؤل السابق- فهو المصيبة التي قصمت ظهر الأزواج، فهو الحرب الضروس التي عكرت صفو السعادة في الأسر؛ لأن الزوج المسكين يكون بين نارين: نار الزوجة وتعنتها وعنادها ورغباتها، وما أدراك ما رغبات الزوجات في هذا الزمان؛ من مسكن مستقل، وسيارة أنيقة، وأثاث فاخرة، كالتي تراها في الأفلام. وبين نار الأم التي ترى أن هذه المرأة ليست إلا مستغلة، قد خطفت ابنها منها. والزوج المسكين يبقى حائرا، خصوصا إذا كان يخاف الله، ملتزما بتعاليم الإسلام، يخاف أن يكون ظالما فيرتعش حين يسمع قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما) وحين يسمع بوصية الرسولﷺ بالزوجة: «استوصوا بالنساء خيرا...»، ويقارن بين طاعة الوالدين وحقوق الزوجة، حين يسمع قول الرسولﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم».
وقد يخفف من معاناة الزوج المسكين، إذا علم أن الخصام بين الزوجة وأم الزوج لا تكاد أسرة تخلو منه، والمصيبة إذا عمت هانت كما يقال، فإذا وجدت أسرة قد سلمت من هذا الخصام؛ فاعلم أن أحد الطرفين صبور.
والحل في مثل هذا الظاهرة أن نبحث عن الظالم في القضية فننصحه ونقدم له التوجيه ونخصه بالتنبيه؛ فمن هو الظالم إذن في هذه الظاهرة؟ هل هو الزوج؟ أو الزوجة؟ أو أم الزوج؟ وفي الحقيقة أن الظالم يعرف نفسه.
فقد تكون الزوجة ظالمة إذا جاورت رغباتها حدود طاقة زوجها، إذا كانت تتصرف بدون إذن زوجها، تتصرف في أموره دون أن تضرب له أي حساب، وتكون ظالمة حين تظهر الخصام أمام أولادها، وتؤلبهم على أبيهم، فتصوره كوحش لا يرحم، لا تدعوه حتى باسمه، وقد تكون ظالمة حين تخبر زوجها بكل صغيرة وكبيرة مما يحدث بينها وبين أم زوجها، فقد فعلت بي أمك كذا وكذا؛ تؤلبه عليها، وقد يكون ذلك كذبا وزورا، وقد يكون مجرد مزاح أو سوء تفاهم، وتكون ظالمة حين تمنع الزوج أن يزور إخوته، أو حين تمنعه أن يعطف على أمه أو ينفق عليها؛ كيف تريد ذلك وقد أخذت زوجها جاهزا لا ينقصه شيء؟ والأم هي التي حملته في بطنها وهنا على وهن، وأرضعته لبن صدرها، وحمته يوم كان ضعيفا لا يعرف ما يضره ولاما ينفعه، والرسولﷺ يقول حين سئل أي الناس أحق بصحبتي؟: «أمك ثم أمك ثم أمك»، والزوجة الشريفة تعتبر أم الزوج بمنزلة أمها، فعدم احترامها عقوق، وعقوق الوالدين ذنب كبير.
وقد تكون الأم ظالمة إذا استغلت طاعة ابنها لها للنيل من زوجته، إذا حملت ابنها أن يطلق زوجته، وهذا ليس من حقها؛ فيجب على الأم أن تعتبر زوجة ابنها بمنزلة بنتها، وأولادها هم أبناؤها، يجب أن تعطف عليها وتحبها وتعاملها كما تعامل بنتها؛ فإن فعلت غير ذلك فهي ظالمة؛ فالمقياس هو معاملة ابنتها؛ عليها أن تصبر وتضحي إذا كانت ولادتها وترتبيها خلاصة لوجه الله، يجب أن تعلم أن قلب ابنها لم يبق خالصا لها، فقد دخلته محبة الزوجة والأولاد، فعليها أن تتذكر يوم تزوجت بابن امرأة أخرى؛ فإذا اتهمت زوجة ابنها بالخطف فقد خطفت قبلها قلب زوجها، فإن اتهمتها بالاستغلال فقد استغلت قبلها زوجها، فهذه هي الدنيا.
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدموا
وقد يكون الزوج ظالما إذا انحاز للظالم من كلا الطرفين، إذا نصر أمه ظالمة أو مظلومة، أو نصر زوجته ظالمة أو مظلومة، وإذا لم يمنع الظالمة عن ظلمها، ويكون ظالما أيضا حين يضرب زوجته، أو يلعنها ويسبها، لابد من العطف عليها، والرسولﷺ يقول: «خياركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» لابد من تلبية رغباتها الممكنة، لابد من الصبر على اعوجاجها حتى وإن كرهها، فالله تعالى يقول: (وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)؛ فيجب عليه أن يبحث له عن منزل مستقل خاص به وبزوجته، وليس هذا عقوقا للوالدة؛ لأنها هي نفسها كانت قد استقلت عن جدته أم أبيه، وولده أيضا سيستقل وينفرد بمنزله عن أمه وهكذا...
وفي بعض الحلات تكون والدة الزوج وحدها فلا يجوز حينئذ تركها وحيدة؛ ولكن يحاول معها حتى تخفف من ضغطها على زوجته، كما يحاول مع زوجته حتى تزيد من الاحترام لأمه؛ يبحث دائما عن أبواب الانفراج، ويجتنب أسباب الانفجار...
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين…
الحمد لله رب العالمين….
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون .
أما إذا تدخل أهل الزوجين في هذه المعمعة فهم متطفلون، قد حشروا أنفسهم فيما لا يعنيهم والرسولﷺ يقول: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» اللهم إلا إذا طُلب منهم التدخل للإصلاح ورفع الظلم عن المظلوم، والقرآن الكريم يقول: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريد إصلاحا يوقف الله بينهما إن الله عليما خبيرا).
ولابد للحكم أن يتجرد من هوائه وتعصبه، لأن كثيرا ما يكون الحكمان أعنف خصومة من الزوجين، فيزيد الطين بلة والأمر زلة(1)، وكثيرا ما يكون الحكَم هنا مدعيا، مستعينا بأكاذيب يرويها بإسناده عن أحد الزوجين للانتصار على حكم الطرف الآخر، والله تعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانة إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا)...
يجب أن يعلم أطراف هذا النزاع من الزوج والزوجة وأم الزوج أن الظلم حرام، وأن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وأن الله تعالى لا يسمح للظالم حتى يأخذ منه الحق، وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فهي قنبلة إذا أطلقت لن تخطئ هدفها، والظالم يعرف نفسه، والله تعالى يقول في الحديث القدسي الجليل: «يا عبادي؛ إني حرمت الظلم على نفسي فجعلته محرما عليكم فلا تظالموا».
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: عبد الله بن طهر التناني السوسي / خطيب جمعة بأكادير
هذه خطبة بالمناسَبة، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا